[فَصْلٌ أَجَّرَ مُسْلِمٌ نَفْسَهُ لِذِمِّيِّ لَعَمَلٍ فِي ذِمَّتِهِ]
(٣١٨١) فَصْلٌ: وَلَوْ أَجَّرَ مُسْلِمٌ نَفْسَهُ لِذِمِّيِّ، لَعَمَلٍ فِي ذِمَّتِهِ، صَحَّ؛ «لِأَنَّ عَلِيًّا، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ، يَسْتَقِي لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَأَتَى بِذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلَهُ.» وَفَعَلَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَلِأَنَّهُ لَا صَغَارَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي مُدَّةٍ، كَيَوْمٍ، أَوْ شَهْرٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِيلَاءً عَلَيْهِ، وَصَغَارًا، أَشْبَهَ الشِّرَاءَ.
وَالثَّانِي، يَصِحُّ. وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، أَشْبَهَ الْعَمَلَ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُشْبِهُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقْتَضِي سُلْطَانًا، وَاسْتِدَامَةً، وَتَصَرُّفًا بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ فِي رَقَبَتِهِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ.
[فَصْلٌ الْبَيْعُ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ]
(٣١٨٢) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ إلَّا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ: «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا» . فَخَصَّهَا بِذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ فِيمَا سِوَاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْرُمُ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَا يَحْرُمُ بَيْنَ مَنْ عَدَاهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي بَيْنَهُمْ لَا تَمْنَعُ الْقِصَاصَ، وَلَا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ لَبَعْضٍ، فَلَمْ تَمْنَعْ التَّفْرِيقَ فِي الْبَيْعِ، كَابْنَيْ الْعَمِّ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَحْمَدُ، فِي " الْمُسْنَدِ "، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَبِيعَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا فَارْتَجِعْهُمَا، وَلَا تَبِعْهُمَا إلَّا جَمِيعًا» . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، وَالْأَخِ وَأَخِيهِ» . وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا رَحِمًا مَحْرَمًا، فَلَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، كَالْوَلَدِ مَعَ أُمِّهِ. وَيُفَارِقُ ابْنَيْ الْعَمِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مَحْرَمٌ. (٣١٨٣) فَصْلٌ: فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ، لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْبَيْعِ، وَهُوَ الضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِالتَّفْرِيقِ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ، كَالْبَيْعِ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ. وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِرَدِّهِمَا، وَلَوْ لَزِمَ الْبَيْعُ لَمَا أَمْكَنَ رَدُّهُمَا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي " سُنَنِهِ "، «أَنَّ عَلِيًّا فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ الْمَبِيعَ» . وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مُحَرَّمٌ، لِمَعْنًى فِيهِ، فَفَسَدَ، كَبَيْعِ الْخَمْرِ. وَلَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ؛ فَإِنَّ ضَرَرَ التَّفْرِيقِ حَاصِلٌ بِالْبَيْعِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute