[فَصْلٌ أَعَارَهُ شَيْئًا وَأَذِنَ لَهُ فِي إجَارَتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً]
(٣٩٢٢) فَصْلٌ: وَإِنْ أَعَارَهُ شَيْئًا، وَأَذِنَ لَهُ فِي إجَارَتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، أَوْ فِي إعَارَتِهِ مُطْلَقًا، أَوْ مُدَّةً، جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لِمَالِكِهِ، فَجَازَ مَا أَذِنَ فِيهِ. وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَنْقَضِيَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ، وَتَكُونُ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، غَيْرَ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا.
وَإِنْ أَجَرَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ، وَيَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَارِيَّةِ. .
[فَصْلٌ اسْتَعَارَ عَبْدًا لِيَرْهَنهُ]
(٣٩٢٣) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ عَبْدًا لِيَرْهَنهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَعَارَ مِنْ الرَّجُلِ شَيْئًا يَرْهَنُهُ عِنْدَ رَجُلٍ، عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ، إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ، فَرَهَنَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَهُ لِيَقْضِيَ بِهِ حَاجَتَهُ، فَصَحَّ، كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ. وَلَا يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الدِّينِ وَجِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعِلْمُ.
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعْتَبَرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. وَلَنَا، أَنَّهَا عَارِيَّةٌ لِجِنْسٍ مِنْ النَّفْعِ، فَلَمْ تُعْتَبَرْ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ، كَعَارِيَّةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ. وَلَا يَصِيرُ الْمُعِيرُ ضَامِنًا لِلدَّيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَصِيرُ ضَامِنًا لَهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ مَنْفَعَةُ الْعَيْنِ، وَالْمَنْفَعَةُ هَاهُنَا لِلْمَالِكِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ ضَمَانٌ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَعَارَهُ لِيَقْضِيَ مِنْهُ حَاجَتَهُ، فَلَمْ يَكُنْ ضَامِنًا، كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَارِيَّةِ النَّفْعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ النَّفْعِ فَهُوَ لِمَالِكِ الْعَيْنِ. وَإِنْ عَيَّنَ الْمُعِيرُ قَدْرَ الدَّيْنِ الَّذِي يَرْهَنُهُ بِهِ وَجِنْسَهُ، أَوْ مَحَلًّا، تَعَيَّنَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَإِنْ خَالَفَهُ فِي الْجِنْسِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِي رَهْنِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي مَحَلٍّ، فَخَالَفَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي رَهْنِهِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، فَرَهَنَهُ بِحَالِ، فَقَدْ لَا يَجِدُ مَا يَفُكُّهُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أَذِنَ فِي رَهْنِهِ بِحَالٍ، فَرَهَنَهُ بِمُؤَجَّلٍ، فَلَمْ يَرْضَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ إلَى أَجَلٍ، لَمْ يَصِحَّ.
وَإِنْ رَهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِقَدْرٍ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَرْضَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ. وَإِنْ رَهَنَهُ بِأَنْقَصَ مِنْهُ، جَازَ؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِعَشْرَةٍ، رَضِيَ بِمَا دُونَهَا عُرْفًا، فَأَشْبَهَ مَنْ أُمِرَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِثَمَنِ، فَاشْتَرَاهُ بِدُونِهِ. وَلِلْمُعِيرِ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِفِكَاكِ الرَّهْنِ فِي الْحَالِ، سَوَاءٌ كَانَ بِدَيْنٍ حَالٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ الرُّجُوعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ. وَإِنْ حَلَّ الدَّيْنُ، فَلَمْ يَفُكَّهُ الرَّاهِنُ، جَازَ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الرَّهْنِ، فَإِذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ، أَوْ تَلِفَ، رَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الرَّاهِنِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ بِقِيمَتِهَا.
وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute