للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ» . وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عَوْفٍ، إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْهُ زَكَاةَ الْمَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ.» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْقَبَلِيَّةُ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْحِجَازِ. وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَحْرُمُ عَلَى أَغْنِيَاءِ ذَوِي الْقُرْبَى، فَكَانَ زَكَاةً، كَالْوَاجِبِ فِي الْأَثْمَانِ الَّتِي كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ. وَحَدِيثُهُمْ الْأَوَّلُ لَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي جَوَابِ سُؤَالِهِ عَنْ اللُّقَطَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِلُقَطَةٍ، وَلَا يَتَنَاوَلُ اسْمَهَا، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ.

وَالْحَدِيثُ الثَّانِي يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَسَائِرُ أَحَادِيثِهِمْ لَا يُعْرَفُ صِحَّتُهَا، وَلَا هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمَسَانِيدِ وَالدَّوَاوِينِ. ثُمَّ هِيَ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمُسَمَّى بِالرِّكَازِ. وَالسُّيُوبُ: هُوَ الرِّكَازُ، لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ السَّيْبِ، وَهُوَ الْعَطَاءُ الْجَزِيلُ.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْمَعَادِنِ]

(١٩٠٩) الْفَصْلُ الثَّالِثُ، فِي نِصَابِ الْمَعَادِنِ وَهُوَ مَا يَبْلُغُ مِنْ الذَّهَبِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَمِنْ الْفِضَّةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ الْخُمْسَ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ نِصَابٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رِكَازٌ؛ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ حَوْلٌ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ نِصَابٌ كَالرِّكَازِ. وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» . وَقَوْلِهِ: «لَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ.» وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي الذَّهَبِ شَيْءٌ، حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا» . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرِكَازٍ، وَأَنَّهُ مُفَارِقٌ لِلرِّكَازِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرِّكَازَ مَالُ كَافِرٍ أُخِذَ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَشْبَهَ الْغَنِيمَةَ.

وَهَذَا وَجَبَ مُوَاسَاةً وَشُكْرًا لِنِعْمَةِ الْغِنَى، فَاعْتُبِرَ لَهُ النِّصَابُ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ. وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ الْحَوْلُ؛ لِحُصُولِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةٍ، فَأَشْبَهَ الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إخْرَاجُ النِّصَابِ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ دَفَعَاتٍ، لَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بَيْنَهُنَّ تَرْكَ إهْمَالٍ، فَإِنْ خَرَجَ دُونَ النِّصَابِ، ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ مُهْمِلًا لَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ دُونَ النِّصَابِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا وَإِنْ بَلَغَا بِمَجْمُوعِهِمَا نِصَابًا. وَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا دُونَ الْآخَرِ، زَكَّى النِّصَابَ، وَلَا زَكَاةَ فِي الْآخَرِ. وَفِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ.

فَأَمَّا تَرْكُ الْعَمَلِ لَيْلًا، أَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ، أَوْ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ لِإِصْلَاحِ الْأَدَاةِ، أَوْ إبَاقِ عَبِيدِهِ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْعَمَلِ، وَيُضَمُّ مَا خَرَجَ فِي الْعَمَلَيْنِ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعَمَلِ، فَخَرَجَ بَيْنَ الْمَعْدِنَيْنِ تُرَابٌ، لَا شَيْءَ فِيهِ. وَإِنْ اشْتَمَلَ الْمَعْدِنُ عَلَى أَجْنَاسٍ، كَمَعْدِنٍ فِيهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ.

فَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>