للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

فَأَمَّا إنْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَوْ بِأَرْضِ كَذَا وَكَذَا. لَمْ تُقْبَلُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْضَى بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا. وَذُكِرَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِأَحْمَدْ أَيْضًا. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَعْلَمَانِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ، وَيَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا فِي غَيْرِهَا، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، كَمَا لَوْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا فِي هَذَا الْبَيْتِ.

[مَسْأَلَة يُعْتَبَرُ فِي الشَّاهِدِ سَبْعَةُ شُرُوطٍ]

(٨٣٥٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَاقِلًا، مُسْلِمًا، بَالِغًا، عَدْلًا، لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ يُعْتَبَرُ فِي الشَّاهِدِ سَبْعَةُ شُرُوطٍ؛ أَحَدهَا، أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَيْسَ بِعَاقِلٍ، إجْمَاعًا. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَسَوَاءٌ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ طُفُولِيَّةٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَصِّلٍ، وَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِكَذِبِهِ، وَلَا يَتَحَرَّزُ مِنْهُ. الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَنَذْكُرُ هَذَا فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ بَالِغًا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ صَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ بِحَالٍ، يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ الْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَعَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ شَهَادَتَهُمْ تُقْبَلُ فِي الْجِرَاحِ، إذَا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُمْ وَضَبْطُهُمْ، فَإِنْ تَفَرَّقُوا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُلَقَّنُوا. ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنْ أُخِذُوا عِنْدَ مُصَابِ ذَلِكَ، فَبِالْأَحْرَى أَنْ يَعْقِلُوا وَيَحْفَظُوا.

وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ شَهَادَتَهُمْ جَائِرَةٌ، وَيُسْتَحْلَفُ أَوْلِيَاءُ الْمَشْجُوجِ. وَذَكَرَهُ عَنْ مَرْوَانَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرٍ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، كَالْعَبِيدِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ تُقْبَلُ عَلَى بَعْضٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ.

قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمْ. قَالَ الْمُغِيرَةُ: وَكَانَ أَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ شَهَادَتَهُمْ عَلَى رَجُلٍ، وَلَا عَلَى عَبْدٍ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَلِيٍّ، فَجَاءَهُ خَمْسَةُ غِلْمَةٍ فَقَالُوا: إنَّا كُنَّا سِتَّةَ غِلْمَةٍ نَتَغَاطَّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>