للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجْلِسُ مِنْهُ إلَّا مَا تَكَرَّرَ. فَعَلَى هَذَا إذَا رَأَتْ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، جَلَسَتْ زَمَانَ الْأَسْوَدِ، فَكَانَ حَيْضَهَا، وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ. وَهَلْ تَجْلِسُ زَمَانَ الْأَسْوَدِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الرَّابِعِ؟ يُخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ. وَلَوْ رَأَتْ عَشَرَةً أَحْمَرَ، ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، فَالْحُكْمُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنْ اتَّصَلَ الْأَسْوَدُ، وَعَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَلَيْسَ لَهَا تَمْيِيزٌ، وَنُحَيِّضُهَا مِنْ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِدَمِ الْحَيْضِ. وَلَوْ رَأَتْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ، فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، لِقِلَّتِهِ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ.

وَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَحْمَرَ كُلَّهُ، وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، وَفِي الْخَامِسِ كُلِّهِ أَحْمَرَ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الْيَقِينَ، وَفِي الرَّابِعِ أَيَّامَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَفِي الْخَامِسِ تَجْلِسُ خَمْسَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ مُعْتَادَةً. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجْلِسُ مِنْ الرَّابِعِ إلَّا الْيَقِينَ، إلَّا أَنْ نَقُولَ بِثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّتَيْنِ.

وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُقَدَّرُ فِيهَا أَنَّهَا لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ، لَجَلَسَتْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، فَكَذَا هَاهُنَا وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ التَّكْرَارَ فِي التَّمْيِيزِ فَهَذِهِ مُمَيِّزَةٌ، وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمُمَيِّزَةَ تَجْلِسُ بِالتَّمْيِيزِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، قَالَ إنَّهَا تَجْلِسُ الدَّمَ الْأَسْوَدَ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهَا مُمَيِّزَةٌ قَبْلَهُ، وَلَوْ رَأَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ صَارَ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، وَفِي الثَّانِي كَذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثِ كُلِّهِ أَحْمَرَ، وَالرَّابِعِ رَأَتْ خَمْسَةً أَحْمَرَ، ثُمَّ صَارَ أَسْوَدَ وَاتَّصَلَ، جَلَسَتْ الْيَقِينَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ، وَالرَّابِعُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا فِيهِ، فَتَصِيرُ فِيهِ إلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ، فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ، إلَّا أَنْ نَقُولَ الْعَادَةُ تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ، فَتَجْلِسُ مِنْ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ خَمْسَةً خَمْسَةً.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجْلِسُ فِي الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا الْيَقِينَ، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ فِي الرَّابِعِ خَمْسَةً أَسْوَدَ، وَالْبَاقِيَ كُلَّهُ أَحْمَرَ، صَارَ عَادَةً بِذَلِكَ.

[مَسْأَلَةُ الصُّفْرَةِ وَالْكَدِرَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ]

(٤٧٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ مِنْ الْحَيْضِ) يَعْنِي إذَا رَأَتْ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً، فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا يَكُونُ حَيْضًا، إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَمٌ أَسْوَدُ؛ لِأَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ، وَكَانَتْ بَايَعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كُنَّا لَا نَعْتَدُّ بِالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ شَيْئًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: بَعْدَ الطُّهْرِ.

وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: ٢٢٢] ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَبْعَثُ إلَيْهَا النِّسَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>