وَالْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُقِرَّ بِنِكَاحِ السِّرِّ فَثَبَتَ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ النِّكَاحُ. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَنَحْوُهُ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ الْعَلَانِيَةَ لَيْسَ بِعَقْدٍ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ شَيْءٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ إذَا عَقَدَ فِي الظَّاهِرِ عَقْدًا بَعْدَ عَقْدِ السِّرِّ، فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ بَذْلُ الزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ السِّرِّ، فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ زَادَهَا عَلَى صَدَاقِهَا. وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْلِيلِ لِكَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ إنْ كَانَ مَهْرُ السِّرِّ أَكْثَرَ مِنْ الْعَلَانِيَةِ، وَجَبَ مَهْرُ السِّرِّ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِعَقْدِهِ، وَلَمْ تُسْقِطْهُ الْعَلَانِيَةُ فَبَقِيَ وُجُوبُهُ، فَأَمَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ وَأَنَّهُمَا يَعْقِدَانِ الْعَقْدَ بِأَلْفَيْنِ تَجَمُّلًا، فَفَعَلَا ذَلِكَ فَالْمَهْرُ أَلْفَانِ؛ لِأَنَّهَا تَسْمِيَةٌ صَحِيحَةٌ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ، فَوَجَبَتْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا اتِّفَاقٌ عَلَى خِلَافِهَا.
وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ الْقَاضِي، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ مِنْ جِنْسِ الْعَلَانِيَةِ، نَحْوُ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ أَلْفًا وَالْعَلَانِيَةُ أَلْفَيْنِ، أَوْ يَكُونَا مِنْ جِنْسَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَالْعَلَانِيَةُ مِائَةَ دِينَارٍ. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْوَاجِبَ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ. فَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَفِيَ لِلزَّوْجِ بِمَا وَعَدَتْ بِهِ، وَشَرَطَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، مِنْ أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ إلَّا مَهْرَ السِّرِّ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي السِّرِّ بِمَهْرٍ، وَأَعْلَنُوا مَهْرًا، يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا، وَيُؤْخَذَ بِالْعَلَانِيَةِ.
فَاسْتَحَبَّ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، لِئَلَّا يَحْصُلَ مِنْهُمْ غُرُورٌ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ.» وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ عَقْدًا فِي السِّرِّ انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ، فِيهِ مَهْرٌ قَلِيلٌ، فَصَدَّقَتْهُ، فَلَيْسَ لَهَا سِوَاهُ، وَإِنْ أَنْكَرَتْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ. وَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِ، وَقَالَتْ: هُمَا مَهْرَانِ فِي نِكَاحَيْنِ. وَقَالَ: بَلْ نِكَاحٌ وَاحِدٌ، أَسْرَرْنَاهُ ثُمَّ أَظْهَرْنَاهُ.
فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الثَّانِيَ عَقْدٌ صَحِيحٌ يُفِيدُ حُكْمًا كَالْأَوَّلِ، وَلَهَا الْمَهْرُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، وَنِصْفُ الْمَهْرِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، إنْ ادَّعَى سُقُوطَ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْإِنْكَارِ، سُئِلَتْ الْمَرْأَةُ فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا ثَانِيًا، حَلَفَتْ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّتْ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِمَا يُسْقِطُ نِصْفَ الْمَهْرِ أَوْ جَمِيعَهُ، لَزِمَهَا مَا أَقَرَّتْ بِهِ.
[فَصْل تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِمَهْرِ وَاحِدٍ]
(٥٦٣٩) فَصْلٌ إذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُنَّ وَلِيٌّ وَاحِدٌ كَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute