[فَصْلُ غَسْلِ بَعْضِ الثَّوْبِ النَّجِسِ]
(٦١) فَصْلٌ: إذَا غُسِلَ بَعْضُ الثَّوْبِ النَّجِسِ، جَازَ، وَيَطْهُرُ الْمَغْسُولُ دُونَ غَيْرِهِ؛ فَإِنْ كَانَ يُغْمَسُ بَعْضُهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ رَاكِدٍ يَعْرُكُهُ فِيهِ، نَجِسَ الْمَاءُ، وَلَمْ يَطْهُرْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ بِغَمْسِهِ فِي الْمَاءِ صَارَ نَجِسًا، فَلَمْ يُطَهِّرْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ يَصُبُّ عَلَى بَعْضِهِ فِي جَفْنَةٍ طَهُرَ مَا طَهَّرَهُ، وَكَانَ الْمُنْفَصِلُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُلَاقِيَ الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ جُزْءٌ غَيْرُ الْمَغْسُولِ، فَيَنْجُسُ بِهِ.
[فَصْلٌ أَصَابَ ثَوْبَ الْمَرْأَةِ دَمُ حَيْضِهَا]
(٦٢) فَصْلٌ: إذَا أَصَابَ ثَوْبَ الْمَرْأَةِ دَمُ حَيْضِهَا، اُسْتُحِبَّ أَنْ تَحُتَّهُ بِظُفُرِهَا، لِتَذْهَبَ خُشُونَتُهُ، ثُمَّ تَقْرُصَهُ لِيَلِينَ لِلْغَسْلِ، ثُمَّ تَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِأَسْمَاءِ فِي دَمِ الْحَيْضِ: حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ، ثُمَّ غَسِّلِيهِ بِالْمَاءِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى إزَالَتِهِ بِالْمَاءِ جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ لَوْنُهُ، وَكَانَتْ إزَالَتُهُ تَشُقُّ أَوْ يَتْلَفُ الثَّوْبُ وَيَضُرُّهُ، عُفِيَ عَنْهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ» .
وَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ فِي إزَالَتِهِ شَيْئًا يُزِيلُهُ كَالْمِلْحِ وَغَيْرِهِ، فَحَسَنٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ «امْرَأَةٍ مِنْ غِفَارٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَتِهِ، فَحَاضَتْ، قَالَتْ: فَنَزَلْت، فَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنِّي، فَقَالَ: مَا لَكِ؟ لَعَلَّك نُفِسْتِ؟ . قُلْت: نَعَمْ. قَالَ: فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِك، ثُمَّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدَّمِ» .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ؛ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمِلْحِ، وَهُوَ مَطْعُومٌ، فِي غَسْلِ الثَّوْبِ وَتَنْقِيَتِهِ مِنْ الدَّمِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ غَسْلُ الثِّيَابِ بِالْعَسَلِ، إذَا كَانَ يُفْسِدُهَا الصَّابُونُ، وَبِالْخَلِّ إذَا أَصَابَهَا الْحِبْرُ، وَالتَّدَلُّكُ بِالنُّخَالَةِ، وَغَسْلُ الْأَيْدِي بِهَا، وَالْبِطِّيخِ وَدَقِيقِ الْبَاقِلَّا، وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَهَا قُوَّةُ الْجَلَاءِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ كَانَ فِي الْإِنَاءِ خَمْرٌ أَوْ شِبْهُهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ الَّتِي يَتَشَرَّبُهَا الْإِنَاءُ]
(٦٣) فَصْلٌ: فَإِذَا كَانَ فِي الْإِنَاءِ خَمْرٌ أَوْ شِبْهُهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ الَّتِي يَتَشَرَّبُهَا الْإِنَاءُ ثُمَّ مَتَى جُعِلَ فِيهِ مَائِعٌ سِوَاهُ ظَهَرَ فِيهِ طَعْمُ النَّجَاسَةِ، أَوْ لَوْنُهَا لَمْ يَطْهُرْ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ لَا يَسْتَأْصِلُ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ مِنْ جِسْمِ الْإِنَاءِ، فَلَمْ يُطَهِّرْهُ، كَالسِّمْسِمِ إذَا ابْتَلَّ بِالنَّجَاسَةِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ فِي " الْمُبْهِجِ ": آنِيَةُ الْخَمْرِ مِنْهَا الْمُزَفَّتُ، فَتَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الزِّفْتَ يَمْنَعُ وُصُولَ النَّجَاسَةِ إلَى جِسْمِ الْإِنَاءِ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِمُزَفَّتٍ، فَيَتَشَرَّبُ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ، فَلَا يَطْهُرُ بِالتَّطْهِيرِ، فَإِنَّهُ مَتَى تُرِكَ فِيهِ مَائِعٌ ظَهَرَ فِيهِ طَعْمُ الْخَمْرِ وَلَوْنُهُ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفَرِ إنَاءَانِ نَجِسٌ وَطَاهِرٌ وَاشْتَبَهَا عَلَيْهِ]
(٦٤) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِذَا كَانَ مَعَهُ فِي السَّفَرِ إنَاءَانِ؛ نَجِسٌ وَطَاهِرٌ، وَاشْتَبَهَا عَلَيْهِ، أَرَاقَهُمَا، وَيَتَيَمَّمُ) . إنَّمَا خَصَّ حَالَةَ السَّفَرِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِيهَا، وَيُعْدَمُ فِيهَا الْمَاءُ غَالِبًا، وَأَرَادَ: إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً غَيْرَ الْإِنَاءَيْنِ الْمُشْتَبِهَيْنِ، فَإِنَّهُ مَتَى وَجَدَ مَاءً طَهُورًا غَيْرَهُمَا تَوَضَّأَ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي وَلَا التَّيَمُّمُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَلَا تَخْلُو الْآنِيَةُ الْمُشْتَبِهَةُ مِنْ حَالَيْنِ: