للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْئًا، فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ فِي قِسْطِ مَا بَقِيَ تَبْعِيضًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِضْرَارًا بِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يُبَاعُ، وَلَا يَبْقَى لَهُ، فَيَزُولُ عَنْهُ الضَّرَرُ

قُلْنَا: لَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ بِالْبَيْعِ؛ فَإِنْ قِيمَتَهُ تَنْقُصُ بِالتَّشْقِيصِ، وَلَا يُرْغَبُ فِيهِ مُشَقَّصًا، فَيَتَضَرَّرُ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ. وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، فَلَمْ يَجُزْ تَشْقِيصُهُ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْخِيَارِ، وَقِيَاسُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى النِّكَاحِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَبِيعِ عَيْنًا وَاحِدَةً، أَوْ عَيْنَيْنِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى

فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُكُمْ يَرْوِيه أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا، وَلَا حُجَّةَ فِي الْمَرَاسِيلِ. قُلْنَا: قَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي " سُنَنِهِمْ " مُتَّصِلًا، فَلَا يَضُرُّ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ، فَإِنَّ رَاوِيَ الْمُسْنَدِ مَعَهُ زِيَادَةٌ لَا يُعَارِضُهَا تَرْكُ مُرْسِلِ الْحَدِيثِ لَهَا، وَعَلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ، فَلَا يَضُرُّ إرْسَالُهُ.

[فَصْلٌ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِالْمَبِيعِ]

(٣٤٣٥) فَصْلٌ: الشَّرْطُ الرَّابِعُ، أَنْ لَا يَكُونَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ.

فَإِنْ رَهَنَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَفْلَسَ أَوْ وَهَبَهَا، لَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا، وَلِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ إضْرَارًا بِالْمُرْتَهِنِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .

وَهَذَا لَمْ يَجِدْهُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا

فَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ دُونَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، بِيعَ كُلُّهُ، فَقُضِيَ مِنْهُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَالْبَاقِي يُرَدُّ عَلَى سَائِرِ مَالِ الْمُفْلِسِ، وَيَشْتَرِكُ الْغُرَمَاءُ فِيهِ، وَإِنْ بِيعَ بَعْضُهُ، فَبَاقِيه بَيْنَهُمْ يُبَاعُ لَهُمْ أَيْضًا، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْبَائِعُ. قَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَهُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَا يُخَرَّجُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَلَفَ بَعْضِ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، فَكَذَلِكَ ذَهَابُ بَعْضِهَا بِالْبَيْعِ

وَلَوْ رَهَنَ بَعْضَ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي بَاقِيه؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ، فَرَهَنَ إحْدَاهُمَا، فَهَلْ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِي الْأُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَلِفَتْ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ. وَإِنْ فَكَّ الرَّهْنَ قَبْلَ فَلَسِ الْمُشْتَرِي. أَوْ أُبْرِئَ مِنْ دَيْنِهِ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ؛ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ أَفْلَسَ وَهُوَ رَهْنٌ، فَأَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الْمُشْتَرِي مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ قَضَى الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِهِ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ أَيْضًا كَذَلِكَ.

[فَصْلٌ كَانَ الْمَبِيع عَبْدًا فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ]

(٣٤٣٦) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ

، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>