عُدُولٍ، عَلَى عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ فَأَسْهَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، فِي " مُسْنَدِهِ ". وَلِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ حُجَّتَانِ تَعَارَضَتَا، مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَسَقَطَتَا، كَالْخَبَرَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، تُسْتَعْمَلُ الْبَيِّنَتَانِ. وَفِي كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِهِمَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، تُقْسَمُ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَحَمَّادٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى، «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعِيرٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ؛ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» .
وَلِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي دَعْوَاهُ، فَيَتَسَاوَيَانِ فِي قِسْمَتِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَلَهُ قَوْلٌ رَابِعٌ، يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ، كَالْحَاكِمِ إذَا لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ الْحُكْمُ فِي قَضِيَّتِهِ. وَلَنَا، الْخَبَرَانِ، وَأَنَّ تَعَارُضَ الْحُجَّتَيْنِ لَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ، كَالْخَبَرَيْنِ، بَلْ إذَا تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ، أَسْقَطْنَاهُمَا، وَرَجَعْنَا إلَى دَلِيلٍ غَيْرِهِمَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّنَا إذَا قُلْنَا: إنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَسْقُطَانِ. أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَته، حَلَفَ، وَأَخَذَهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ.
وَإِنْ قُلْنَا: يُعْمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُغْنِي عَنْ الْيَمِينِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ مَعَ الْبَيِّنَةِ، تَرْجِيحًا لَهَا. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ كَالْأُولَى فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ آخَرَ، سَنَذْكُرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْل أَنْكَرَ الْبَيِّنَةَ مَنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ وَكَانَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ]
(٨٥١٦) فَصْلٌ: فَإِنْ أَنْكَرَهَا مَنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ، وَكَانَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُ بِهَا. وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَإِنْ قُلْنَا: تُسْتَعْمَلُ الْبَيِّنَتَانِ. أُخِذَتْ الْعَيْنُ مِنْ يَدِهِ، وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمَا، عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْقِسْمَةَ، أَوْ تُدْفَعُ إلَى مِنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ، عَلَى قَوْلِ مِنْ يَرَى ذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: تَسْقُطُ الْبَيِّنَتَانِ، حَلَفَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا، قُبِلَ إقْرَارُهُ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ لِأَحَدِهِمَا، صَارَ الْمُقَرُّ لَهُ صَاحِبَ الْيَدِ؛ لِأَنَّ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ مُقِرٌّ بِأَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا جَمِيعًا، فَالْيَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي، الْجُزْءِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ؛ لِذَلِكَ.
[فَصْل تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا فَقَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا]
(٨٥١٧) فَصْلٌ: وَإِنْ تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، فَقَالَ: هِيَ لِأَحَدِكُمَا لَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا. أَوْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا، أَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute