قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. وَلَنَا، أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَبَعْدَهُ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ، مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا، فَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَمَلٌ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، وَجَمْعٌ بَيْنَهَا، مِنْ غَيْرِ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَذَلِكَ وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ، فَإِنَّ خَبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ، وَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِمُعَارِضٍ مِثْلِهِ، أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي سُجُودِهِ، بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ قَبْلَهُ، فِي صُورَةٍ، مَا يَنْفِي سُجُودَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَذِكْرُ نَسْخِ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ رَاوِيَيْهِ أَبَا هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ هِجْرَتُهُمَا مُتَأَخِّرَةٌ.
وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ لَا يَقْتَضِي نَسْخًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ سُجُودَهُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِوُقُوعِ السَّهْوِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ فِيمَا سُجُودُهُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ رَاوِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ضَعْفٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ جَعْفَرٍ فِيهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
[فَصْلٌ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى]
(٩٠١) فَصْلٌ فِي تَفْصِيلِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: قَوْلُهُ (مِثْلُ الْمُنْفَرِدِ إذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، فَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ) . قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُ مِنْ الرَّكَعَاتِ، فَيُتِمُّ عَلَيْهِ، وَيُلْغِي مَا شَكَّ فِيهِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالْوَاحِدَةِ، فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ، فَلْيَجْعَلْهُمَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ لِيُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، حَتَّى يَكُونَ الْوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ. ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ هَكَذَا
وَسَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ خِلَافُ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَهْمُ مِثْلَ الْوَسْوَاسِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إذَا كَثُرَ السَّهْوُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْوَسْوَاسِ، لَهَا عَنْهُ وَذَكَرْنَا أَنَّ فِي الْمُنْفَرِدِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْحُكْمُ فِي الْإِمَامِ إذَا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، أَنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ كَالْمُنْفَرِدِ. وَإِذَا تَحَرَّى الْمُنْفَرِدُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ
[فَصْلٌ قَامَ الْمُصَلَّيْ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ أَوْ جَلَسَ فِي مَوْضِعِ قِيَام]
(٩٠٢) فَصْلٌ: قَوْلُهُ: أَوْ قَامَ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ أَوْ جَلَسَ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ ". أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا يُسْجَدُ لَهُ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute