[فَصْلٌ مِنْ السُّنَّةُ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ الْمَرْجُومِ]
(٧١٣٤) فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ الْمَرْجُومِ، فَإِنْ كَانَ الزِّنَى ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ، وَإِنْ كَانَ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ بَدَأَ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ، إنْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَرْجُمُ النَّاسُ بَعْدَهُ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الرَّجْمُ رَجْمَانِ؛ فَمَا كَانَ مِنْهُ بِإِقْرَارٍ، فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْإِمَامُ، ثُمَّ النَّاسُ، وَمَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ، فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ النَّاسُ. وَلِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ أَبْعَدُ لَهُمْ مِنْ التُّهْمَةِ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ. فَإِنْ هَرَبَ مِنْهُمْ، وَكَانَ الْحَدُّ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، اتَّبَعُوهُ حَتَّى يَقْتُلُوهُ، وَإِنْ كَانَ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ، تَرَكُوهُ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، لَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ، خَرَجَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَقَدْ عَجَزَ أَصْحَابُهُ، فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ فَرَمَاهُ بِهِ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ، يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ. فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ فِي هَرَبِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ أُنَيْسٍ حِينَ قَتَلَ مَاعِزًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ الرُّجُوعِ، وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ، وَأُتِيَ بِهِ الْإِمَامَ، فَكَانَ مُقِيمًا عَلَى اعْتِرَافِهِ رَجَمَهُ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْهُ، تَرَكَهُ.
[الْفَصْلُ الثَّانِي اجْتَمَعَ حَدَّانِ الْجَلْد وَالرَّجْم]
(٧١٣٥) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُجْلَدُ، ثُمَّ يُرْجَمُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو ذَرٍّ. ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْهُمَا، وَاخْتَارَهُ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُد، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ؛ أَنَّهُمَا رَجَمَا وَلَمْ يَجْلِدَا.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى، فِيهِمَا الْقَتْلُ أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَاخْتَارَ هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ. وَنَصَرَاهُ فِي " سُنَنِهِمَا "؛ لِأَنَّ جَابِرًا رَوَى، أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ، وَرَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ وَلَمْ يَجْلِدْهَا. وَقَالَ: وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِجَلْدِهَا، وَكَانَ هَذَا آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ: إنَّهُ أَوَّلُ حَدٍّ نَزَلَ، وَإِنَّ حَدِيثَ مَاعِزٍ بَعْدَهُ، رَجَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَجْلِدْهُ، وَعُمَرُ رَجَمَ وَلَمْ يَجْلِدْ. وَنَقَلَ عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ نَحْوَ هَذَا. وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ قَتْلٌ، فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ جَلْدٌ كَالرِّدَّةِ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ إذَا اجْتَمَعَتْ وَفِيهَا قَتْلٌ سَقَطَ مَا سِوَاهُ، فَالْحَدُّ أَوْلَى. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] . وَهَذَا عَامٌّ، ثُمَّ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ، وَالتَّغْرِيبِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَإِلَى هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute