[فَصْلٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِيلَاءِ الْغَضَبُ وَلَا قَصْدُ الْإِضْرَارِ]
(٦١٢٥) فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِيلَاءِ الْغَضَبُ، وَلَا قَصْدُ الْإِضْرَارِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيَّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ فِي إصْلَاحٍ إيلَاءٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا الْإِيلَاءُ فِي الْغَضَبِ. وَنَحْوُ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَنْ حَلَفَ لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهُ، لَا يَكُونُ إيلَاءً، إذَا أَرَادَ الْإِصْلَاحَ لِوَلَدِهِ.
وَلَنَا عُمُومُ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ، مَانِعٌ نَفْسَهُ عَنْ جِمَاعِهَا بِيَمِينِهِ فَكَانَ مُولِيًا، كَحَالِ الْغَضَبِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ يَثْبُتُ لِحَقِّ الزَّوْجَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ سَوَاءٌ قَصَدَ الْإِضْرَارَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، كَاسْتِيفَاءِ دُيُونِهَا، وَإِتْلَافِ مَالِهَا، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ وَسَائِرَ الْأَيْمَانِ سَوَاءٌ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَى، فَكَذَلِكَ الْإِيلَاءُ، وَلِأَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ فِي الْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَى، فَكَذَلِكَ فِي الْإِيلَاءِ.
وَأَمَّا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهُ، فَإِنْ أَرَادَ وَقْتَ الْفِطَامِ، وَكَانَتْ مُدَّتُهُ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ مُولٍ، وَإِنْ أَرَادَ فِعْلَ الْفِطَامِ، لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَلَا فِيهِ تَفْوِيتُ حَقٍّ لَهَا، فَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَطَأهَا حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ.
[فَصْل الْأَلْفَاظ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُولِيًا]
(٦١٢٦) فَصْلٌ: فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُولِيًا، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا - مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا آتِيك، وَلَا أُدْخِلُ، وَلَا أُغَيِّبُ أَوْ أُولِجُ ذَكَرِي فِي فَرْجِكِ. وَلَا افْتَضَضْتُك. لِلْبِكْرِ خَاصَّةً، فَهَذِهِ صَرِيحَةٌ، وَلَا يُدَيَّنْ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الْإِيلَاءِ. الْقِسْمُ الثَّانِي، صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ، وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ عَشَرَةُ أَلْفَاظٍ: لَا وَطِئْتُك، وَلَا جَامَعْتُك، وَلَا أَصَبْتُك، وَلَا بَاشَرْتُك، وَلَا مَسِسْتُك، وَلَا قَرَبْتُك، وَلَا أَتَيْتُك، وَلَا بَاضَعْتُكِ، وَلَا بَاعَلْتُكِ، وَلَا اغْتَسَلْتُ مِنْك. فَهَذِهِ صَرِيحَةٌ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ فِي الْوَطْءِ.
وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِبَعْضِهَا فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: ٢٢٢] . وَقَالَ {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] . وَقَالَ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute