للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢٥٥٢) فَصْلٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا، أَنَّ الْحِلَّ، إنَّمَا يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ مَعًا.

وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا رَمَيْتُمْ، وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ، إلَّا النِّسَاءَ» . وَتَرْتِيبُ الْحِلِّ عَلَيْهِمَا دَلِيلٌ عَلَى حُصُولِهِ بِهِمَا، وَلِأَنَّهُمَا نُسُكَانِ يَتَعَقَّبُهُمَا الْحِلُّ، فَكَانَ حَاصِلًا بِهِمَا، كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فِي الْعُمْرَةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ، فَقَدْ حَلَّ، وَإِذَا وَطِئَ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَلْقَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِلَّ بِدُونِ الْحَلْقِ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ، إلَّا النِّسَاءَ» . وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَلْقِ، هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: نُسُكٌ. حَصَلَ الْحِلُّ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا.

[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَة تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ]

(٢٥٥٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ) الْأُنْمُلَةُ: رَأْسُ الْإِصْبَعِ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى. وَالْمَشْرُوعُ لِلْمَرْأَةِ التَّقْصِيرُ دُونَ الْحَلْقِ. لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي حَقِّهِنَّ مِثْلُهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَكَانَ أَحْمَدُ يَقُولُ: تُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ رَأْسِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، تَجْمَعُ شَعْرَهَا إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهَا قَدْرَ أُنْمُلَةٍ. وَالرَّجُلُ الَّذِي يُقَصِّرُ فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا فِيمَا مَضَى.

[مَسْأَلَة طَوَافَ الزِّيَارَة]

(٢٥٥٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (ثُمَّ يَزُورُ الْبَيْتَ، فَيَطُوفُ بِهِ سَبْعًا، وَهُوَ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ الَّذِي بِهِ تَمَامُ الْحَجِّ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، إنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَمَى وَنَحَرَ وَحَلَقَ، أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ، فَطَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مِنًى فَيَزُورُ الْبَيْتَ، وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ، بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى، وَيُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ عِنْدَ إفَاضَتِهِ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ، وَهُوَ رُكْنٌ لِلْحَجِّ، لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ.

لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ، لَا خِلَافَ

<<  <  ج: ص:  >  >>