للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٠٦٣) فَصْلٌ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، إنْ شَاءَ مِنْ قِيَامٍ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ قُعُودٍ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ» .

«قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ، حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا، حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً، أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً، ثُمَّ رَكَعَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهَا، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا، وَكَانَ إذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَاعِدٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، قَالَ: وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: وَالْعَمَلُ عَلَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ.

(١٠٦٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمَرِيضُ إذَا كَانَ الْقِيَامُ يَزِيدُ فِي مَرَضِهِ صَلَّى قَاعِدًا)

أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ، لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا. وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَزَادَ: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] » . وَرَوَى أَنَسٌ قَالَ: «سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَرَسٍ، فَخُدِشَ أَوْ جُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ. فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى قَاعِدًا، وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ قُعُودًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ، إلَّا أَنَّهُ يَخْشَى زِيَادَةَ مَرَضِهِ بِهِ، أَوْ تَبَاطُؤَ بُرْئِهِ، أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا. وَنَحْوَ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ.

وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُومَ لِدُنْيَاهُ، فَلْيُصَلِّ جَالِسًا. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] . وَتَكْلِيفُ الْقِيَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ حَرَجٌ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى جَالِسًا لَمَّا جُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لَكِنْ لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ سَقَطَ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ تَسْقُطُ عَنْ غَيْرِهِ. وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَإِنَّهُ يَكُونُ جُلُوسُهُ عَلَى صِفَةِ جُلُوسِ الْمُتَطَوِّعِ، جَالِسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

[فَصْلٌ إنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ بِأَنْ يَتَّكِئَ عَلَى عَصَى أَوْ يَسْتَنِدَ إلَى حَائِطٍ]

(١٠٦٥) فَصْلٌ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، بِأَنْ يَتَّكِئَ عَلَى عَصًى، أَوْ يَسْتَنِدَ إلَى حَائِطٍ، أَوْ يَعْتَمِدَ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ، لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ قَدَرَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>