للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ. وَيَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ؛ فَإِنَّ عِتْقَهَا قَدْ اسْتَقَرَّ سَبَبُهُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهَا، وَكَسْبُهَا لَهُ. وَالْمُوصَيْ بِهِ لَا نُسَلِّمُهُ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ الْمُوصَى بِهِ قَدْ تُحَقَّقَ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا وُقِفَ عَلَى شَرْطٍ هُوَ الْقَبُولُ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، اسْتَنَدَ الْحُكْمُ إلَى ابْتِدَاءِ السَّبَبِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مَا وُجِدَ السَّبَبُ، وَإِنَّمَا أَوْصَى بِإِيجَادِهِ، وَهُوَ الْعِتْقُ، فَإِذَا وُجِدَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُهُ سَابِقًا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بِنَفْسِهِ، وَهَا هُنَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْتِقَ نَفْسَهُ. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ تَمَامِ مَوْتِ سَيِّدِهِ، وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ، فَمَا كَسَبَهُ لِلْوَرَثَةِ، عَلَى قَوْلِنَا، وَلَا أَعْلَمُ قَوْلَ مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ.

[فَصْل عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى شَرْطٍ فِي صِحَّته فَوُجِدَ فِي مَرَضِهِ]

(٨٦٣٣) فَصْلٌ: فَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى شَرْطٍ فِي صِحَّتِهِ، فَوُجِدَ فِي مَرَضِهِ، اُعْتُبِرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي الطَّلَاقِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِيهِ فَأَشْبَهَ، الْعِتْقَ فِي صِحَّتِهِ.

وَلَنَا أَنَّهُ عَتَقَ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِثُلُثَيْ مَالِهِ، فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، كَالْمُنَجَّزِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يُتَّهَمُ فِيهِ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ الْمُنَجَّزُ، لَا يُتَّهَمُ فِيهِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُتَّهَمُ بِمُحَابَاةِ غَيْرِ الْوَارِثِ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَى وَارِثِهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْوَرَثَةِ، وَهَذَا حَاصِلٌ هَاهُنَا. وَلَوْ قَالَ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ، وَأَنَا مَرِيضٌ فَأَنْتَ حُرٌّ. فَقَدِمَ وَهُوَ مَرِيضٌ، كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ، وَجْهًا وَاحِدًا.

[فَصْل أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ]

. (٨٦٣٤) فَصْلٌ: وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ. رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَكَمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ حَمَّادٍ، وَالْبَتِّيِّ، وَدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ، وَحُمَيْدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيَّ وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: يَتْبَعُهُ مَالُهُ؛ لِمَا رَوَى نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَالْمَالُ لِلْعَبْدِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ وَغَيْرُهُ، وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَمْ يَعْرِضْ لِمَالِهِ. وَلَنَا مَا رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ عُمَيْرٍ: يَا عَمِيرُ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَك عِتْقًا هَنِيئًا، فَأَخْبِرْنِي بِمَالِكَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، أَوْ غُلَامَهُ، فَلَمْ يُخْبِرْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>