وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الرَّاهِنِ، إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ، فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، أَوْ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَحَلَفَ، وَرَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، لَمْ يَرْجِعْ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ ظَلَمَهُ
وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ الْقَوْلُ فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فَإِذَا حَلَفَ الْمُشْتَرِي، رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، وَرَجَعَ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ. وَإِنْ تَلِفَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ وَزْنِ ثَمَنِهِ، فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْعَدْلِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّلَفَ فِي يَدِهِ، هَذَا إذَا عَلِمَ بِالْغَصْبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالَمًا، فَهَلْ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
[فَصْلٌ ادَّعَى الْعَدْلُ الْمَأْذُون لَهُ فِي الْبَيْع دَفْعَ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَأَنْكَرَ]
(٣٣٢٣) فَصْلٌ: فَإِنْ ادَّعَى الْعَدْلُ دَفْعَ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، فَأَنْكَرَ، فَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلُ الرَّاهِنِ فِي دَفْعِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ لِلْمُرْتَهِنِ فِي ذَلِكَ، إنَّمَا هُوَ وَكِيلُهُ فِي الْحِفْظِ فَقَطْ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِوَكِيلٍ لَهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي قَضَاءِ دَيْنٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ.
وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، كَالْمُودِعِ يَدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةِ. فَعَلَى هَذَا، إذَا حَلَفَ الْعَدْلُ لَهُ، سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ قَبَضَهُ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ، وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، لَمْ يَرْجِعْ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مِنِّي بِغَيْرِ حَقٍّ
فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرَّاهِنِ، كَمَا لَوْ غَصَبَهُ مَالًا آخَرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ، فَهَلْ يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَى الْعَدْلِ؟ نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، فَمَاتَتْ أَوْ غَابَتْ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فِي غَيْبَةِ الرَّاهِنِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي الْقَضَاءِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ بِتَفْرِيطِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا، وَادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي حَقِّهِ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ فِي الْقَضَاءِ أَوْ كَذَّبَهُ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَذَّبَهُ فَلَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.
[فَصْلٌ غَصَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْعَدْلِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ]
(٣٣٢٤) فَصْلٌ: إذَا غَصَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْعَدْلِ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ. وَلَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute