للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] . فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ.

وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [آل عمران: ٤١] فَأَمَرَهُ بِالتَّسْبِيحِ مَعَ قَطْعِ الْكَلَامِ عَنْهُ. وَلِأَنَّ مَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، لَا يَحْنَثُ بِهِ خَارِجًا مِنْهَا، كَالْإِشَارَةِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ الْمَشْرُوعِ فِيهَا. وَإِنْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ، فَقَالَ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: ٤٦] . يَقْصِدُ الْقُرْآنَ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ.

[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ ثَلَاثَ لَيَالٍ أَوْ ثَلَاثَة أَيَّامٍ]

(٨١٦٧) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي بَيْنَ اللَّيَالِي، وَلَا فِي اللَّيَالِي الَّتِي بَيْنَ الْأَيَّامِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى قَالَ: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] . وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠] . فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ عِبَارَةً عَنْ الزَّمَانَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: ١٤٢] . فَدَخَلَ فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

[فَصْلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالِ فَكَفَلَ بِبَدَنِ إنْسَانُ]

(٨١٦٨) فَصْلٌ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ، فَكَفَلَ بِبَدَنِ إنْسَانٍ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَلْزَمُهُ بِكَفَالَتِهِ إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَكْفُولِ بِهِ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْفُلْ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ بِتَعَذُّرِ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُهُ، وَلِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى كَفَالَةً بِالْمَالِ، وَلَا يَصِحُّ نَفْيُهَا عَنْهُ، فَيُقَالُ: مَا تَكَفَّلَ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا تَكَفَّلَ بِالْبَدَنِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ.

[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ عَبْدًا فَخَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يَأْمُرهُ وَلَمْ يَنْهَهُ]

(٨١٦٩) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ عَبْدًا، فَخَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ، لَمْ يَأْمُرْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ عَبْدَهُ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدَ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ يَخْدِمُهُ عِبَادَةً بِحُكْمِ اسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى يَمِينِهِ: لَا مَنَعَتْك خِدْمَتِي.

فَإِذَا لَمْ يَنْهَهُ، لَمْ يَمْنَعْهُ، فَيَحْنَثُ، وَعَبْدُ غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَحْنَثُ فِي الْحَالَيْنِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>