للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَتِهِ.

وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ بِتَعْرِيفِ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، لِتَجْوِيزِهِ الشَّهَادَةَ بِالِاسْتِفَاضَةِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ الْمَنْعُ مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ إلَّا بِأُذْنِ زَوْجِهَا. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بَيْتَهَا لِيَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسْتَأْذَنَ عَلَى النِّسَاءِ إلَّا بِإِذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، فِي " مُسْنَدِهِ ". فَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا فَجَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا صَحِيحٌ، وَتَصَرُّفَهَا إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً صَحِيحٌ، فَجَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِهِ.

[فَصْل عَرَفَ الشَّاهِدُ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ شَهِدَ بِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ]

(٨٣٥٣) فَصْلٌ: وَإِذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ خَطَّهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ شَهِدَ بِهِ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، فِي مَنْ يَرَى خَطَّهُ وَخَاتَمَهُ وَلَا يَذْكُرُ الشَّهَادَةَ، قَالَ: لَا يَشْهَدُ إلَّا بِمَا يَعْلَمُ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: يَشْهَدُ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ، وَكَيْفَ تَكُونُ الشَّهَادَةُ إلَّا هَكَذَا؟ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا عَرَفَ خَطَّهُ، وَلَمْ يَحْفَظْ، فَلَا يَشْهَدْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا عِنْدَهُ، مَوْضُوعًا تَحْتَ خَتْمِهِ وَحِرْزِهِ، فَيَشْهَدُ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ. وَقَالَ أَيْضًا: إذَا كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ، فَيَشْهَدُ وَيَكْتُبُهَا عِنْدَهُ. وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدُ إذَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ بِخَطِّهِ فِي حِرْزِهِ، وَلَا يَشْهَدُ إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إذَا وَجَدَ حُكْمَهُ بِخَطِّهِ تَحْتَ خَتْمِهِ أَمْضَاهُ، وَلَا يُمْضِيه إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.

[مَسْأَلَة الشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ وَالْوِلَادَةِ]

(٨٣٥٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ، شَهِدَ بِهِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ وَالْوِلَادَةِ) هَذَا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ السَّمَاعِ، وَهُوَ مَا يَعْلَمُهُ بِالِاسْتِفَاضَةِ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِهَا فِي النَّسَبِ وَالْوِلَادَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَمَّا النَّسَبُ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنَعَ مِنْهُ، وَلَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَاسْتَحَالَتْ مَعْرِفَةُ الشَّهَادَةُ بِهِ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِهِ، وَلَا تُمْكِنُ الْمُشَاهَدَةُ فِيهِ، وَلَوْ اُعْتُبِرْت الْمُشَاهَدَةُ، لَمَا عَرَفَ أَحَدٌ أَبَاهُ، وَلَا أُمَّهُ، وَلَا أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ. وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦] .

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ، غَيْرِ النَّسَبِ وَالْوِلَادَةِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ؛ النِّكَاحُ، وَالْمِلْكُ الْمُطْلَقُ، وَالْوَقْفُ، وَمَصْرِفُهُ، وَالْمَوْتُ، وَالْعِتْقُ، وَالْوَلَاءُ، وَالْوِلَايَةُ، وَالْعَزْلُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ فِي الْوَقْفِ وَالْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>