مَوْتِ السَّيِّدِ، وَلَا بَيْعِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا هِبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَازِمٌ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَمَا كَسَبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ، وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ، وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ فِي الْكِتَابَةِ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا.
[فَصْل الْكِتَابَةُ عَلَى مَجْهُولٍ]
الْقَسَمُ الثَّالِثُ، صِفَةٌ فِيهَا مُعَاوَضَةٌ، وَالْمُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ، وَهِيَ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ، نَحْوُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَجْهُولٍ، أَوْ نَجْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَعَ إخْلَالِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْكِتَابَةِ، فَتَسَاوَى الصِّفَةُ الْمَحْضَةُ وَالْكِتَابَةُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، وَلَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا الْحَجْرِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْحَجْرَ لِلرِّقِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ كِتَابَتِهِ، فَلَا يَقْتَضِي حُدُوثُهُ إبْطَالَهَا. وَإِنْ أَدَّى حَالَ جُنُونِهِ، عَتَقَ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وُجِدَتْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَعْتِقُ بِذَلِكَ، وَيُفَارِقهُمَا فِي أَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَهَا وَرَفْعَهَا؛ لِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ، وَالْفَاسِدُ يُشْرَعُ رَفْعُهُ وَإِزَالَتُهُ، وَيُفَارِقُ الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ، فِي أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَجُنُونِهِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ، فَبَطَلَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ كَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ إذَا وَسْوَسَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَبْطُلُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ كِتَابَةٍ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ، كَالصَّحِيحَةِ، وَتُفَارِقُ الصِّفَةَ الْمَحْضَةَ فِي أَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَهُ، وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ، وَيَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا، حَمْلًا لَهَا عَلَى الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا. وَفِي الْآخَرِ، لَا يَسْتَحِقُّ كَسْبَهُ، وَلَا يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِالصِّفَةِ، لَا بِالْكِتَابَةِ. فَأَمَّا الْكِتَابَةُ بِمُحَرَّمٍ؛ كَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، فَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ، حُكْمُهَا حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا، وَيَعْتِقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَعْتِقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، إذَا كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَأَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، عَتَقَ مَا لَمْ تَكُنْ الْكِتَابَةُ مُحَرَّمَةً. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى أَدَاءِ الْمُحَرَّمِ، عَتَقَ بِهِ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَإِنْ قَالَ: كَاتَبْتُك عَلَى خَمْرٍ. لَمْ يَعْتِقْ بِأَدَائِهِ، كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْل قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ]
(٨٦٤٢) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَعَلَيْك أَلْفٌ. عَتَقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَجَعَلَ عَلَيْهِ عِوَضًا لَمْ يَقْبَلْهُ، فَيَعْتِقُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ. هَكَذَا ذَكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَنَقَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّه قِيلَ لَهُ: إذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ. قَالَ جَيِّدٌ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ؟ قَالَ: لَا يَعْتِقُ، إنَّمَا قَالَهُ لَهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ، فَلَا شَيْءَ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ. فَكَذَلِكَ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ " عَلَى " لَيْسَتْ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ وَلَا الْبَدَلِ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: وَعَلَيْك أَلْفٌ. وَالثَّانِيَةُ، إنْ قَبِلَ، الْعَبْدُ، عَتَقَ، وَلَزِمَتْهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَمْ يَعْتِقْ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute