عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لِتَنْظُرْ عِدَّةَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنَّ الْحَيْضَ يَدُورُ عَلَيْهَا.
وَلَنَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ، وَصَلِّي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُد: «إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا مَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ: إنَّهَا وَاَللَّهِ لَنْ تَرَى الدَّمَ الَّذِي هُوَ الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِ مَحِيضِهَا إلَّا كَغُسَالَةِ مَاءِ اللَّحْمِ. وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ. وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ هُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْحَيْضُ.
[فَصْل الْمُمَيَّزَة إذَا عَرَفَتْ التَّمْيِيزَ]
(٤٥٠) فَصْلٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْمُمَيِّزَةَ إذَا عَرَفَتْ التَّمْيِيزَ جَلَسَتْهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَكْرَارٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمْيِيزِ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فِي الصِّفَةِ، وَهَذَا يُوجَدُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: إنَّمَا تَجْلِسُ الْمُمَيِّزَةُ مِنْ التَّمْيِيزِ مَا تَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَادَةُ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ، وَصَلِّي» . أَمَرَهَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ، ثُمَّ مَدَّهُ إلَى حِينِ إدْبَارِهِ؛ وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَمَارَةٌ بِمُجَرَّدِهِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ، كَالْعَادَةِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: إنَّمَا تَجْلِسُ مِنْ التَّمْيِيزِ مَا وَافَقَ الْعَادَةَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ التَّكْرَارَ، وَمَتَى تَكَرَّرَ صَارَ عَادَةً.
[فَصْل فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّمُ الْأَسْوَدُ مُخْتَلِفًا]
(٤٥١) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَسْوَدُ مُخْتَلِفًا، مِثْلُ أَنْ تَرَى فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ يَصِيرُ أَحْمَرَ، وَيَعْبُرُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَالْأَسْوَدُ وَحْدَهُ حَيْضٌ. وَلَوْ لَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ كَانَ جَمِيعُ الدَّمِ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ دَمٌ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، فَكَانَ حَيْضًا، كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ أَحْمَرَ.
وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا، مِثْلُ أَنْ يَرَى فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ خَمْسَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute