وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ، وَالرَّجْعَةُ إمْسَاكٌ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] . فَأُبِيحَ ذَلِكَ كَالْإِمْسَاكِ قَبْلَ الطَّلَاقِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِبَاحَةٌ، فَإِنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُبَاحَةٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا اسْتِبَاحَةٌ، فَتَبْطُلُ بُشْرَى الْأَمَةِ لِلشِّرَاءِ، وَلِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إبَاحَةُ الزَّوْجَةِ مُبَاحٌ فِي النِّكَاحِ، كَالتَّكْفِيرِ فِي الظِّهَارِ.
وَأَمَّا شِرَاءُ الْإِمَاءِ فَمُبَاحٌ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ الشِّرَاء أَوْ لَمْ يَقْصِدْ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعِ الِاسْتِبَاحَةِ فِي الْبِضْعِ، فَأَشْبَهَ شِرَاءَ الْعَبِيدِ وَالْبَهَائِمِ، وَلِذَلِكَ أُبِيحَ شِرَاءُ مَنْ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ فِي حَالَةٍ يُحْرِم فِيهَا الْوَطْءُ.
[مَسْأَلَة لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُل الْحَدَأَة وَالْغُرَاب وَالْفَأْرَة وَالْعَقْرَب وَالْكَلْب الْعَقُور]
(٢٣٩٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْحِدَأَةَ، وَالْغُرَابَ، وَالْفَأْرَةَ، وَالْعَقْرَبَ، وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَكُلَّ مَا عَدَا عَلَيْهِ، أَوْ آذَاهُ، وَلَا فِدَاءَ عَلَيْهِ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ مَنَعَ قَتْلَ الْفَأْرَةِ. وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي حِلِّ قَتْلِهَا، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا خَالَفَهُ. وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ غُرَابُ الْبَيْنِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُبَاحُ مِنْ الْغِرْبَانِ إلَّا الْأَبْقَعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحِدَأَةُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَا يُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُبَاحَ مِنْ الْغِرْبَانِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ.
وَلَنَا، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ؛ قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحِدَأَةِ، وَالْغُرَابِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ، لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ جُنَاحٌ فِي قَتْلِهِنَّ» . وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَائِشَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتْلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ» . وَهَذَا عَامٌّ فِي الْغُرَابِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ. وَلِأَنَّ غُرَابَ الْبَيْنِ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute