الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَتَعَدَّى فِيهِ، ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ، أَوْ سَافَرَ بِهِ ثُمَّ رَدَّهُ، لَمْ يَزُلْ عَنْهُ الضَّمَانُ، لِأَنَّ اسْتِئْمَانَهُ زَالَ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَفْسُدْ بِفِعْلِهِ مَعَ بَقَائِهِ فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنْ رَدَّهُ إلَى يَدِ نَائِبِ مَالِكِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَدَّهَا إلَى يَدِ مَالِكهَا.
[فَصْلٌ اسْتَقْرَضَ ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ مَالًا وَرَهَنَهُ خَمْرًا]
(٣٣٢٥) فَصْلٌ: وَإِذَا اسْتَقْرَضَ ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ مَالًا، وَرَهَنَهُ خَمْرًا، لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ جَعَلَهُ عَلَى يَدِ ذِمِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَاعَهَا الرَّاهِنُ، أَوْ نَائِبُهُ الذِّمِّيُّ، وَجَاءَ الْمُقْرِضُ بِثَمَنِهَا، لَزِمَهُ قَبُولُهُ. فَإِنْ أَبَى، قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ، وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا تَقَابَضُوا فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، جَرَتْ مَجْرَى الصَّحِيحَةِ.
قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، مَعَهُمْ الْخَمْرُ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا. وَإِنْ جَعَلَهَا عَلَى يَدِ مُسْلِمٍ. فَبَاعَهَا، لَمْ يُجْبَرْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبُولِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ، وَلَا حُكْمَ لَهُ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْهَنُ مَالَ مِنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِحِفْظِ مَالِهِ إلَّا مِنْ ثِقَة]
(٣٣٢٦) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَلَا يَرْهَنُ مَالَ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِحِفْظِ مَالِهِ إلَّا مِنْ ثِقَةٍ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ لَيْسَ لَهُ رَهْنُ مَالِهِ، إلَّا عِنْدَ ثِقَةٍ يُودِعُ مَالَهُ عِنْدَهُ، لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَوْ يُفَرِّطَ فِيهِ فَيَضِيعَ. قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لِوَلِيِّهِ رَهْنُ مَالِهِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ثِقَةٍ.
الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَظٌّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِهِ حَاجَةٌ إلَى نَفَقَةٍ، أَوْ كُسْوَةٍ، أَوْ إنْفَاقٍ عَلَى عَقَارِهِ الْمُتَهَدِّمِ، أَوْ أَرْضِهِ، أَوْ بَهَائِمِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَالُهُ غَائِبٌ يَتَوَقَّعُ وُرُودَهُ، أَوْ ثَمَرَةٌ يَنْتَظِرُهَا، أَوْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ يَحِلُّ، أَوْ مَتَاعٌ كَاسِدٌ يَرْجُو نِفَاقَهُ؛ فَيَجُوزُ لِوَلِيِّهِ الِاقْتِرَاضُ وَرَهْنُ مَالِهِ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يَنْتَظِرُهُ، فَلَا حَظَّ لَهُ فِي الِاقْتِرَاضِ، فَيَبِيعُ شَيْئًا مِنْ أُصُولِ مَالِهِ، وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ يُقْرِضُهُ، وَوَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ نَسِيئَةً، وَكَانَ أَحْظَ مِنْ بَيْعِ أَصْلِهِ، جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ نَسِيئَةً وَيَرْهَنَ بِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ، إلَّا أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ مِنْ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ وَلِنَفْسِهِ مِنْ وَلَدِهِ، وَمَنْ عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
[فَصْلٌ أَخْذُ الرَّهْنِ بِمَالِ الْيَتِيم]
(٣٣٢٧) فَصْلٌ: فَأَمَّا أَخْذُ الرَّهْنِ بِمَالِ الْيَتِيمِ، فَيَكُونُ فِي بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقَرْضَ فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ وَفِي الْبَيْعِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهُنَّ، أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي مِائَةً نَقْدًا بِمِائَةِ أَوْ دُونهَا نَسِيئَةً، وَيَأْخُذَهَا رَهْنًا، فَهَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ نَقْدًا أَحْوَطُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ نَسِيئَةً. الثَّانِيَةُ، أَنْ يَبِيعَهُ بِمِائَةٍ نَقْدًا وَعِشْرِينَ نَسِيئَةً، يَأْخُذُ بِهَا رَهْنًا، فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ نَقْدًا جَازَ، فَإِذَا زَادَ عَلَيْهَا، فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا، سَوَاء قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ.