شَرَطَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ فِي الْمُرْتَفِعَاتِ. وَيَصِحُّ فِي غَيْرِهِنَّ.
وَلَنَا، أَنَّهُ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْمُرْتَفِعَاتِ. وَإِنْ شَرَطَهَا حَائِلًا، فَبَانَتْ حَامِلًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ، فَهُوَ عَيْبٌ يَثْبُتُ الْفَسْخُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا، فَهُوَ زِيَادَةٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ فَسْخًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُهَا لِسَفَرٍ، أَوْ لِحَمْلِ شَيْءٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَعَ الْحَمْلِ. وَإِنْ شَرَطَ الْبَيْضَ فِي الدَّجَاجَةِ، فَقَدْ قِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ عَلَيْهِ، يُعْرَفُ بِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِي الشَّرْعِ حُكْمٌ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْعَادَةِ، فَأَشْبَهَ اشْتِرَاطَ الشَّاةِ لَبُونًا.
وَإِنْ اشْتَرَطَ الْهَزَارَ أَوْ الْقُمْرِيَّ مُصَوِّتًا، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَصِحُّ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّ صِيَاحَ الطَّيْرِ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ. وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُوجَدَ. وَالْأَوْلَى جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَقْصِدًا صَحِيحًا، وَهُوَ عَادَةٌ لَهُ وَخِلْقَةٌ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْهَمْلَجَةَ فِي الدَّابَّةِ، وَالصَّيْدَ فِي الْفَهْدِ. وَإِنْ شَرَطَ فِي الْحَمَامِ أَنَّهُ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ ذَكَرَهَا. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ، وَالْقَصْدُ مِنْهُ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عَادَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ، وَفِيهِ قَصْدٌ صَحِيحٌ لِتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ وَحَمْلِ الْكُتُبِ، فَجَرَى مَجْرَى الصَّيْدِ فِي الْفَهْدِ، وَالْهَمْلَجَةِ فِي الدَّابَّةِ، وَإِنْ شَرَطَ فِي الْجَارِيَةِ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْغِنَاءَ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ، كَالزِّنَى. وَإِنْ شَرَطَ فِي الْكَبْشِ كَوْنَهُ نَطَّاحًا، وَفِي الدِّيكِ كَوْنَهُ مُقَاتِلًا، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ، فَجَرَى مَجْرَى الْغِنَاءِ فِي الْجَارِيَةِ. وَإِنْ شَرَطَ فِي الدِّيكِ أَنَّهُ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ، لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ شَرَطَ كَوْنَهُ يَصِيحُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ، جَرَى مَجْرَى اشْتِرَاطِ التَّصْوِيتِ فِي الْقُمْرِيِّ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ لَا يُفْتَقَر الرَّدّ بِالْعَيْبِ إلَى رِضَى الْبَائِع وَلَا حُضُوره وَلَا حُكْم حَاكِمْ قَبْلَ الْقَبْض وَلَا بَعْده]
(٣٠١٣) فَصْلٌ: وَلَا يَفْتَقِرُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إلَى رِضَى الْبَائِعِ، وَلَا حُضُورِهِ، وَلَا حُكْمِ حَاكِمٍ، قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ، افْتَقَرَ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهِ دُونَ رِضَاهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، افْتَقَرَ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ، أَوْ حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ تَمَّ عَلَى الثَّمَنِ، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِرِضَاهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ مُسْتَحِقٍّ لَهُ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ، وَلَا حُضُورِهِ كَالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ، كَقَبْلِ الْقَبْضِ.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى مَعِيبًا فَبَاعَهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ اشْتَرَى مَعِيبًا فَبَاعَهُ]
(٣٠١٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ، كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ مِلْكَهُ مِنْهَا بِمِقْدَارِهِ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْعَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهَا) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ ثَلَاثَةٍ: (٣٠١٥) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مَعِيبًا فَبَاعَهُ، سَقَطَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ. فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ، فَأَرَادَ رَدَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute