رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ فِي طَهَارَةٍ فَلَمْ يَتَوَقَّتْ، كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْجَبِيرَةِ. وَلَنَا: مَا رَوَى عَلِيٌّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: هُوَ أَجْوَدُ حَدِيثٍ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ آخِرُ فِعْلِهِ، وَحَدِيثُهُمْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
قَالَ أَبُو دَاوُد. وَفِي إسْنَادِهِ مَجَاهِيلُ مِنْهُمْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَزِينٍ، وَأَيُّوبُ بْنُ قَطَنٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَمْسَحُ مَا شَاءَ، إذَا نَزَعَهُمَا عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ ثُمَّ لَبِسَهُمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ: " وَمَا شِئْت " مِنْ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِأَحَادِيثِنَا؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ، لِكَوْنِ حَدِيثِ عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَلَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِالتَّيَمُّمِ
[فَصْل انْقِضَاء مُدَّةُ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]
(٤١١) فَصْلٌ: إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الْوُضُوءُ، وَلَيْسَ لَهُ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَهُمَا ثُمَّ يَلْبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ، كَمَا لَوْ خَلَعَهُمَا، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ وَالْخِلَافَ فِيهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَبْطُلُ الْوُضُوءُ، وَيُصَلِّي حَتَّى يُحْدِثَ؛ ثُمَّ لَا يَمْسَحُ بَعْدُ حَتَّى يَنْزِعَهُمَا. وَقَالَ دَاوُد: يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَلَا يُصَلِّي فِيهِمَا، فَإِذَا نَزَعَهُمَا صَلَّى حَتَّى يُحْدِثَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِحَدَثٍ، وَنَزْعُ الْخُفِّ لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَكَذَلِكَ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ. وَلَنَا أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قَامَ الْمَسْحُ مَقَامَهُ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهَا، فَيُمْنَعُ مِنْ اسْتَدَامَتْهَا، كَالْمُتَيَمِّمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ.
[مَسْأَلَة خَلَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا]
(٤١٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ خَلَعَ قَبْلَ ذَلِكَ أَعَادَ الْوُضُوءَ) يَعْنِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إذَا خَلَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا، بَطَلَ وُضُوءُهُ. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ نَابَ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ خَاصَّةً، فَطُهُورُهُمَا يُبْطِلُ مَا نَابَ عَنْهُ، كَالتَّيَمُّمِ إذَا بَطَلَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَجَبَ مَا نَابَ عَنْهُ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ، فَمَنْ أَجَازَ التَّفْرِيقَ جَوَّزَ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ؛ لِأَنَّ سَائِرَ أَعْضَائِهِ مَغْسُولَةٌ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا غَسْلُ قَدَمَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَهُمَا كَمَّلَ وُضُوءَهُ.
وَمَنْ مَنَعَ التَّفْرِيقَ أَبْطَلَ وُضُوءَهُ؛ لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ، فَعَلَى هَذَا، لَوْ خَلَعَ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ جَفَافِ الْمَاءِ عَنْ يَدَيْهِ، أَجْزَأَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ، وَصَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute