للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ، لَزِمَهُ بَيْعُهُ فِي الْحَجِّ. فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَاسِعٌ يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ، وَأَمْكَنَهُ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيهِ، وَيَفْضُلُ قَدْرُ مَا يَحُجُّ بِهِ، لَزِمَهُ.

وَإِنْ كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ بَيْعُهَا فِي الْحَجِّ. وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، أَوْ كَانَ لَهُ بِكِتَابٍ نُسْخَتَانِ، يَسْتَغْنِي بِأَحَدِهِمَا، بَاعَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ بَاذِلٍ لَهُ يَكْفِيهِ لِلْحَجِّ، لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَيْهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ.

[فَصْل وُجُوبُ الْعُمْرَة عَلَى مَنْ يَجِب عَلَيْهِ الْحَجّ]

(٢٢٠٩) فَصْلٌ: وَتَجِبُ الْعُمْرَةُ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ، أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا فَهُوَ أَفْضَلُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْحَجُّ جِهَادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ غَيْرُ مُوَقَّتٍ، فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، كَالطَّوَافِ الْمُجَرَّدِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] . وَمُقْتَضَى الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، ثُمَّ عَطَفَهَا عَلَى الْحَجِّ، وَالْأَصْلُ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّهَا لَقَرِينَةُ الْحَجِّ فِي كِتَابِ اللَّهِ. وَعَنْ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: «أَتَيْت عُمَرَ فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي أَسْلَمْت، وَإِنِّي وَجَدْت الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَهْلَلْت بِهِمَا، فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: «إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ. قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيك، وَاعْتَمِرْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثٌ يَرْوِيهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أَوْصِنِي. قَالَ: تُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَحُجُّ، وَتَعْتَمِرُ» .

وَرَوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>