وَالتَّصْرِيحُ: هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النِّكَاحِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: زَوِّجِينِي نَفْسَك. أَوْ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك تَزَوَّجْتُك. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: ٢٣٥] . فَإِنَّ النِّكَاحَ يُسَمَّى سِرًّا، قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَنْ تَطْلُبُوا سِرَّهَا لِلْغِنَى ... وَلَنْ تُسْلِمُوهَا لِإِزْهَادِهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السِّرُّ: الْجِمَاعُ. وَأَنْشَدَ لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
أَلَّا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي ... كَبِرْت وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي
وَمُوَاعَدَةُ السِّرِّ أَنْ يَقُولَ: عِنْدِي جِمَاعٌ يُرْضِيك. وَنَحْوَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: رُبَّ جِمَاعٍ يُرْضِيك.
فَنُهِيَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْهَجْرِ وَالْفُحْشِ وَالدَّنَاءَةِ وَالسُّخْفِ.
[فَصَلِّ صَرَّحَ بِالْخِطْبَةِ أَوْ عَرَّضَ فِي مَوْضِعٍ يَحْرُمُ التَّعْرِيضُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ حِلِّهَا]
(٥٤١٩) فَصْلٌ: فَإِنْ صَرَّحَ بِالْخِطْبَةِ، أَوْ عَرَّضَ فِي مَوْضِعٍ يَحْرُمُ التَّعْرِيضُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ حِلِّهَا، صَحَّ نِكَاحُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا. وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُحَرَّمَ لَمْ يُقَارِنْ الْعَقْدَ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ، كَمَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي، أَوْ كَمَا لَوْ رَآهَا مُتَجَرِّدَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا.
[فَصْلٌ نِكَاح الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا]
(٥٤٢٠) فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْعَبْدِ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا بَاطِلٌ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْت جَابِرًا عَنْ الْعَبْدِ يَنْكِحُ سَيِّدَتَهُ، فَقَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَنَحْنُ بِالْجَابِيَةِ، وَقَدْ نَكَحَتْ عَبْدَهَا، فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا، وَقَالَ: لَا يَحِلُّ لَكِ. وَلِأَنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ مَعَ أَحْكَامِ الْمِلْكِ يَتَنَافَيَانِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ بِحُكْمِهِ، يُسَافِرُ بِسَفَرِهِ، وَيُقِيمُ بِإِقَامَتِهِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، فَيَتَنَافَيَانِ.
[فَصْلٌ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ]
(٥٤٢١) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، وَإِبَاحَةَ الْبُضْعِ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَقْدٌ أَضْعَفُ مِنْهُ. وَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ أَمَةٌ، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً لَهُ فِيهَا مِلْكٌ. وَلَا يَتَزَوَّجُ مُكَاتَبَتَهُ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ.
[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ]
(٥٤٢٢) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شُبْهَةَ مِلْكٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ، وَلَا تَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهِ لَهَا.