لَا نَفْلَ إلَّا بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . إلَّا بَعْدَ أَنْ بَرَدَ الْقِتَالُ.
وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ، وَعُبَادَةَ، وَمَا شَرَطَهُ عُمَرُ، لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . وَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وَتَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ، فَجَازَ، كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ، وَزِيَادَةِ السَّهْمِ لِلْفَارِسِ، وَاسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَقَوْلُهُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ بَعْدَ أَنْ بَرَدَ الْقِتَالُ.
قُلْنَا: قَوْلُهُ ذَلِكَ ثَابِتُ الْحُكْمِ فِيمَا يَأْتِي مِنْ الْغَزَوَاتِ بَعْدَ قَوْلِهِ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالْمَشْرُوطِ فِي أَوَّلِ الْغَزَاةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَجُوزُ هَذَا، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ، فَاعْتُبِرَتْ الْحَاجَةُ فِيهِ، كَأُجْرَةِ الْحَمَّالِ وَالْحَافِظِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ النَّفَلَ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ. وَذَكَرَ الْخَلَّالُ أَنَّهُ لَا نَفْلَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْهَا، فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ. وَلَنَا، حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَعُبَادَةَ، وَجَرِيرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهُمْ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا غَنِمُوهُ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ مَالٍ، فَجَازَ النَّفَلُ فِيهِ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.
وَأَمَّا الْقَاتِلُ، فَإِنَّمَا نَفْلُ السَّلَبِ، وَلَيْسَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ مِنْ السَّلَبِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرَ مَا جُعِلَ لَهُ.
[فَصْلٌ رَجَعَ إلَى السَّاقَةِ فِي الْجِهَاد]
(٧٤٦٣) فَصْلٌ: نَقَلَ أَبُو دَاوُد، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: إذَا قَالَ مَنْ رَجَعَ إلَى السَّاقَةِ فَلَهُ دِينَارٌ، وَالرَّجُلُ يَعْمَلُ فِي سِيَاقَةِ الْغَنَمِ قَالَ لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الشَّامِ يَفْعَلُونَ هَذَا، وَقَدْ يَكُونُ فِي رُجُوعِهِمْ إلَى السَّاقَةِ وَسِيَاقَةِ الْغَنَمِ مَنْفَعَةٌ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَغَارَ عَلَى قَرْيَةٍ، فَنَزَلَ فِيهَا وَالسَّبْيُ وَالدَّوَابُّ وَالْخُرْثِيُّ مَعَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ، وَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ جَمْعِهِ الْكَسَلُ، لَا يَخَافُونَ عَلَيْهِ الْعَدُوَّ، فَيَقُولُ الْإِمَامُ: مَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ أَثْوَابٍ، فَلَهُ ثَوْبٌ، وَلِمَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ رَأْسٌ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ: مَنْ جَاءَ بِعَدْلٍ مِنْ دَقِيقِ الرُّومِ، فَلَهُ دِينَارٌ، يُرِيدهُ لِطَعَامِ السَّبْيِ، مَا تَرَى فِي أَخْذِ الدِّينَارِ؟ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا.
قِيلَ فَالْإِمَامُ يُخْرِجُ السَّرِيَّةَ وَقَدْ نَفَلَهُمْ جَمِيعًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْمَغَارِ، نَادَى: مَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ، فَلَهُ رَأْسٌ، وَمَنْ جَاءَ بِكَذَا، فَلَهُ كَذَا، فَيَذْهَبُ النَّاسُ فَيَطْلُبُونَ، فَمَا تَرَى فِي هَذَا النَّفْلِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إذَا كَانَ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ الثُّلُثَ. قُلْت: فَلَا بَأْسَ بِنَفَلَيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ الثُّلُثَ، غَيْرَ مَرَّةٍ سَمِعْته يَقُولُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute