للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ، لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ أَخَذَ فِي رَفْعِ رَأْسِهِ.

كَقَوْلِهِ: (إذَا كَبَّرَ) أَيْ أَخَذَ فِي التَّكْبِيرِ، وَلِأَنَّهُ حِينَ الِانْتِقَالِ، فَشُرِعَ الرَّفْعُ مِنْهُ كَحَالِ الرُّكُوعِ وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ رَفْعِ الْمَأْمُومِ، فَكَانَ مَحَلًّا لِرَفْعِ الْإِمَامِ كَالرُّكُوعِ، وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ يَبْتَدِئُ الرَّفْعَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَقِّهِ ذِكْرٌ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ، وَالرَّفْعُ إنَّمَا جُعِلَ هَيْئَةً لِلذِّكْرِ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَنْتَصِبُ قَائِمًا وَيَعْتَدِلُ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى قَائِمًا، حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ إلَى مَكَانِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(٧٠٤) فَصْلٌ: وَهَذَا الرَّفْعُ وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ وَاجِبٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ، فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَتَضَمَّنَ ذِكْرًا وَاجِبًا، كَالْقِيَامِ الْأَوَّلِ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ، وَدَاوَمَ عَلَى فِعْلِهِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .

وَقَوْلُهُمْ: لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ. قُلْنَا قَدْ أَمَرَ بِالْقِيَامِ، وَهَذَا قِيَامٌ، ثُمَّ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِبُ امْتِثَالُهُ، وَقَدْ أَمَرَ بِهِ. وَقَوْلُهُمْ " لَا يَتَضَمَّنُ ذِكْرًا وَاجِبًا " مَمْنُوعٌ، ثُمَّ هُوَ بَاطِلٌ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنَّهُمَا رُكْنَانِ، وَلَا ذِكْرَ فِيهِمَا وَاجِبٌ، عَلَى قَوْلِهِمْ.

[فَصْلٌ يُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيعِ]

(٧٠٥) فَصْلٌ: وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيعِ لِلْإِمَامِ، كَمَا يُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ، فَيُشْرَعُ الْجَهْرُ بِهِ لِلْإِمَامِ، كَالتَّكْبِيرِ.

[مَسْأَلَة قَوْلُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فِي حَقَّ كُلِّ مُصَلٍّ]

(٧٠٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (ثُمَّ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) وَجُمْلَتُهُ أَنْ يُشْرَعَ قَوْلُ (رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ، فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو بُرْدَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يَقُولُهُ الْمُنْفَرِدُ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>