إِسْحَاقَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَإِذَا قَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) . قَالَ: (رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) ؟ فَقَالَ: إنَّمَا هَذَا لِلْإِمَامِ جَمْعُهُمَا، وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ سِوَى الْإِمَامِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْخَبَرَ لَمْ يَرِدْ بِهِ فِي حَقِّهِ. فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ كَقَوْلِ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) . فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُشْرَعُ قَوْلُ هَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَلَا الْمُنْفَرِدِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّهُ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ، فَيُشْرَعُ فِيهِ ذِكْرٌ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَمَا ذَكَرُوهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ إنْ تَرَكَ ذِكْرَهُ فِي حَدِيثِهِمْ، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي أَحَادِيثِنَا، وَرَاوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ صَرَّحَ بِذِكْرِهِ فِي رِوَايَتِهِ الْأُخْرَى، فَحَدِيثُهُمْ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، فَكَيْفَ نَتْرُكُ بِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَقُولُ كَمَا يَقُولُ الْإِمَامُ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِبُرَيْدَةَ: يَا بُرَيْدَةَ: إذَا رَفَعْتَ رَأْسَك فِي الرُّكُوعِ، فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ، وَابْنُ أَبِي أَوْفَى، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، وَلَمْ تُفَرِّقْ الرِّوَايَةُ بَيْنَ كَوْنِهِ إمَامًا وَمُنْفَرِدًا، وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ.
(٧٠٧) فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ: " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ". بِوَاوٍ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُثْبِتُ أَمْرَ الْوَاوِ، وَقَالَ: رَوَى فِيهِ الزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الطَّوِيلِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ، إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. فَإِنَّهُ لَا يَجْعَلُ فِيهَا الْوَاوَ، وَمَنْ قَالَ: " رَبَّنَا " قَالَ: " وَلَكَ الْحَمْدُ "، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ "،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute