وَلَنَا، مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ عَلَى النَّاسِ مَنْ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَفِي لَفْظٍ عَنْ عَتَّابٍ، قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ، كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ، وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ زَبِيبًا، كَمَا تُؤْخَذُ زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا» .
وَقَدْ عَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَصَ عَلَى امْرَأَةٍ بِوَادِي الْقُرَى حَدِيقَةً لَهَا، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ ". وَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَالْخُلَفَاءُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ، وَهِيَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إلَى يَهُودَ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَوْلُهُمْ: هُوَ ظَنٌّ. قُلْنَا: بَلْ هُوَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ الثَّمَرِ وَإِدْرَاكِهِ بِالْخَرْصِ، الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمَقَادِيرِ وَالْمَعَايِيرِ، فَهُوَ كَتَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ.
وَوَقْتُ الْخَرْصِ حِينَ يَبْدُو صَلَاحُهُ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ، قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ. وَلِأَنَّ فَائِدَةَ الْخَرْصِ مَعْرِفَةُ الزَّكَاةِ، وَإِطْلَاقُ أَرْبَابِ الثِّمَارِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَالْحَاجَةُ إنَّمَا تَدْعُو إلَى ذَلِكَ حِينَ يَبْدُو الصَّلَاحُ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ
[فَصْلُ يُجْزِئُ خَارِصٌ وَاحِدٌ]
(١٨٤٦) فَصْلٌ: وَيُجْزِئُ خَارِصٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ، فَيَخْرُصُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَلِأَنَّ الْخَارِصَ يَفْعَلُ مَا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، فَهُوَ كَالْحَاكِمِ وَالْقَائِفِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْخَارِصِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا غَيْرَ مُتَّهَمٍ.
[فَصْلُ صِفَةُ الْخَرْصِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَرَةِ]
(١٨٤٧) فَصْلٌ: وَصِفَةُ الْخَرْصِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا، فَإِنَّهُ يُطِيفُ بِكُلِّ نَخْلَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ، وَيَنْظُرُ كَمْ فِي الْجَمِيعِ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا، ثُمَّ يُقَدِّرُ مَا يَجِيءُ مِنْهَا تَمْرًا، وَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا خَرَصَ كُلَّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا مَا يَكْثُرُ رُطَبُهُ وَيَقِلُّ تَمْرُهُ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِالْعَكْسِ، وَهَكَذَا الْعِنَبُ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِ كُلِّ نَوْعٍ، حَتَّى يُخْرِجَ عُشْرَهُ، فَإِذَا خَرَصَ عَلَى الْمَالِكِ، وَعَرَّفَهُ قَدْرَ الزَّكَاةِ، خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ قَدْرَ الزَّكَاةِ، وَيَتَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا شَاءَ مِنْ أَكْلٍ وَغَيْرِهِ، وَبَيْنَ حِفْظِهَا إلَى وَقْتِ الْجَدَادِ وَالْجَفَافِ، فَإِنْ اخْتَارَ حِفْظَهَا ثُمَّ أَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute