فَأُعْتِقَ، كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ أُعْتِقَ عَنْهُ مَا يَجِبُ إعْتَاقُهُ، كَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِهَا، فَقَدْ مَضَى ذِكْرُهَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
[مَسْأَلَةٌ أَعْتَقَ أَمَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ عَبْدًا فَأُوَلِّدهَا]
(٥٠١٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ أَوْلَادٌ مِنْ مَوْلَاةٍ لِقَوْمٍ، جَرَّ مُعْتِقُ الْعَبْدِ وَلَاءَ أَوْلَادِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ، فَتَزَوَّجَتْ عَبْدًا، فَأَوْلَدَهَا، فَوَلَدُهَا مِنْهُ أَحْرَارٌ، وَعَلَيْهِمْ الْوَلَاءُ لِمَوْلَى أُمِّهِمْ، يَعْقِلُ عَنْهُمْ وَيَرِثُهُمْ إذَا مَاتُوا؛ لِكَوْنِهِ سَبَبَ الْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ بِعِتْقِ أُمِّهِمْ، فَصَارُوا لِذَلِكَ أَحْرَارًا فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، وَجَرَّ إلَيْهِ وَلَاءَ أَوْلَادِهِ عَنْ مَوْلَى أُمِّهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا كَانَ مَمْلُوكًا لَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ وَارِثًا، وَلَا وَلِيَّا فِي نِكَاحٍ.
فَكَانَ ابْنُهُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يَنْقَطِعُ نَسَبُهُ عَنْ ابْنِهِ، فَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، وَانْتَسَبَ إلَيْهَا فَإِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ صَلَحَ الِانْتِسَابُ إلَيْهِ، وَعَادَ وَارِثًا عَاقِلًا وَلِيًّا، فَعَادَتْ النِّسْبَةُ إلَيْهِ وَإِلَى مَوَالِيهِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَلْحَقَ الْمَلَاعِنُ وَلَدَهُ. هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ، يُرْوَى هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمَرْوَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالنَّخَعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَيُرْوَى عَنْ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْجَرُّ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ. وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ وَدَاوُد؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، وَالنَّسَبُ لَا يَزُولُ عَمَّنْ ثَبَتَ لَهُ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ نَحْوُ هَذَا، وَعَنْ زَيْدٍ وَأَنْكَرَهُمَا ابْنُ اللَّبَّانِ، وَقَالَ: مَشْهُورٌ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَضَى بِجَرِّ الْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ عَلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. وَلَنَا، أَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ، كَانَ وَلَاءُ وَلَدِهِمَا لِمَوْلَى أَبِيهِ، فَلَمَّا كَانَ مَمْلُوكًا كَانَ الْوَلَاءُ لِمَوْلَى الْأُمِّ ضَرُورَةً، فَإِذَا عَتَقَ الْأَبُ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَعَادَتْ النِّسْبَةُ إلَيْهِ، وَالْوَلَاءُ إلَى مَوَالِيهِ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ خَيْبَرَ رَأَى فِتْيَةً لُعْسًا، فَأَعْجَبَهُ ظَرْفُهُمْ وَجَمَالُهُمْ، فَسَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: مَوَالِي رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَأَبُوهُمْ مَمْلُوكٌ لِآلِ الْحُرْقَةِ، فَاشْتَرَى الزُّبَيْرُ أَبَاهُمْ فَأَعْتَقَهُ، وَقَالَ لِأَوْلَادِهِ: انْتَسِبُوا إلَيَّ، فَإِنَّ وَلَاءَكُمْ لِي. فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: الْوَلَاءُ لِي، فَإِنَّهُمْ، عَتَقُوا بِعِتْقِي أُمَّهُمْ. فَاحْتَكَمُوا إلَى عُثْمَانَ، فَقَضَى بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ، فَاجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ. اللَّعْسُ سَوَادُ الشَّفَتَيْنِ تَسْتَحْسِنُهُ الْعَرَبُ، وَمِثْلُهُ اللَّمَى، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ ... وَفِي اللِّثَاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute