فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَعْطَيْتُمْ الزَّوْجَ نِصْفَ مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ لَا يَدَّعِي إلَّا الرُّبْعَ قُلْنَا بَلْ هُوَ مُدَّعٍ لَهُ كُلِّهِ؛ رُبْعِهِ بِمِيرَاثِهِ مِنْهَا، وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ بِإِرْثِهِ مِنْ ابْنِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ ثَبَتَتْ الْبُنُوَّةُ بِيَقِينٍ، فَلَا يُقْطَعُ مِيرَاثُ الْأَبِ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ لِلْأَخِ. وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَذَكَرَ قَوْلًا آخَرَ، أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
قَالَ: وَهَذَا اخْتِيَارِي أَنَّ كُلَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا مَالًا يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا فِيهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَهَذَا لَا يُدْرَى مَا أَرَادَ بِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّ مَالَ الْمَرْأَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. فَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَلَيْسَ بِقَوْلِ آخَرَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَالَهَا وَمَالَ الِابْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى إعْطَاءِ الْأَخِ مَا لَا يَدَّعِيه، وَلَا يَسْتَحِقُّهُ يَقِينًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي مِنْ مَالِ الِابْنِ أَكْثَرَ مِنْ سُدُسِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ أَرَادَ ثُلُثَ مَالِ الِابْنِ يُضَمُّ إلَى مَالِ الْمَرْأَةِ، فَيَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ نِصْفَ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ بِاتِّفَاقِ مِنْهُمَا لَا، يُنَازِعُهُ الْأَخُ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا فِي نِصْفِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَهُ كَمَا لَوْ تَنَازَعَ الْأَخُ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا خَفِيٌّ، كَمَا لَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ دَارًا فِي أَيْدِيهِمَا، فَادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا كُلَّهَا، وَادَّعَى الْآخَرُ نِصْفَهَا، فَإِنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى مُدَّعِي النِّصْفِ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ، أَنَّ الدَّارَ فِي أَيْدِيهِمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي يَدِهِ نِصْفُهَا، فَمُدَّعِي النِّصْفِ يَدَّعِيه وَهُوَ فِي يَدِهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا يَعْتَرِفَانِ أَنَّ هَذَا مِيرَاثٌ عَنْ الْمَيِّتَيْنِ، فَلَا يَدَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ، لَاعْتِرَافِهِمَا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ مِيرَاثٌ يَدَّعِيَانِهِ عَنْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُضَمُّ سُدُسُ مَالِ الِابْنِ إلَى نِصْفِ مَالِ الْمَرْأَةِ، فَيُقْسَمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَلَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي دَعْوَاهُ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً فِي أَيْدِيهِمَا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ فِيمَا حُكِمَ لَهُ بِهِ.
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى، أَنْ يَكُونَ سُدُسُ مِيرَاثِ الِابْنِ لِلْأَخِ، وَبَاقِي الْمِيرَاثَيْنِ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّنَا نُقَدِّرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَاتَتْ أَوَّلًا، فَيَكُونُ مِيرَاثُهَا لِابْنِهَا وَزَوْجِهَا، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَوَرِثَ الزَّوْجُ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ فَصَارَ مِيرَاثُهَا كُلُّهُ لِزَوْجِهَا، ثُمَّ نُقَدِّرُ أَنَّ الِابْنَ مَاتَ أَوَّلًا، فَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَصَارَ الثُّلُثُ بَيْنَ أَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، فَلَمْ يَرِثْ الْأَخُ إلَّا سُدُسَ مَالِ الِابْنِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ جُهِلَ مَوْتُهُمَا، وَاتَّفَقَ وُرَّاثُهُمَا عَلَى الْجَهْلِ بِهِ. وَالْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ؛ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، فِيمَا إذَا ادَّعَى وَرَثَةُ كُلِّ مَيِّتٍ أَنَّهُ مَاتَ أَخِيرًا وَأَنَّ الْآخَرَ مَاتَ قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ، حُكِمَ بِهَا، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا، وَهَلْ تَسْقُطَانِ، أَوْ تُسْتَعْمَلَانِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَقْتَسِمَانِ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ دَارٌ فَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا فَأَنْكَرَهَا]
(٨٥٥٢) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ دَارٌ، فَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا، أَوْ أَنَّهَا اشْتَرَتْهَا مِنْهُ فَأَنْكَرَهَا فَالْقَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute