وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إنْ أَذْهَبَ مَنْفَعَتَهَا مِنْ الْمَضْغِ عَلَيْهَا وَنَحْوِهِ، فَفِيهَا دِيَتُهَا، وَإِنْ لَمْ يُذْهِبْ نَفْعَهَا، فَفِيهَا حُكُومَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِمَنْفَعَتِهَا، فَلَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهَا، كَمَا لَوْ اصْفَرَّتْ.
وَلَنَا، أَنَّهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ، فَكَمَلَتْ دِيَتُهَا، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَ الْأَصَمِّ وَأَنْفَ الْأَخْشَمِ. فَأَمَّا إنْ اصْفَرَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ، لَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْهِبْ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ، وَفِيهَا حُكُومَةٌ. وَإِنْ اخْضَرَّتْ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَتَسْوِيدِهَا؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِجَمَالِهَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَجِبَ فِيهَا إلَّا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ جَمَالِهَا بِتَسْوِيدِهَا أَكْثَرُ، فَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ حَمَّرَهَا. فَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ دِيَتَهَا، مَتَى قُلِعَتْ بَعْدَ تَسْوِيدِهَا، فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَتِهَا أَوْ حُكُومَةٌ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُوجِبْ فِيهَا إلَّا حُكُومَةً، يَجِبُ فِي قَلْعِهَا دِيَتُهَا، كَمَا لَوْ صَفَّرَهَا.
[فَصْل جَنَى عَلَى سِنّه فَذَهَبَتْ حِدَتهَا]
(٦٩٣٨) فَصْلٌ: وَإِنْ جَنَى عَلَى سِنِّهِ، فَذَهَبَتْ حِدَّتُهَا وَكَّلَتْ، فَفِي ذَلِكَ حُكُومَةٌ، وَعَلَى قَالِعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا سِنٌّ صَحِيحَةٌ، كَامِلَةٌ، فَكَمَلَتْ دِيَتُهَا، كَالْمُضْطَرِبَةِ، وَإِنْ ذَهَبَ مِنْهَا جُزْءٌ، فَفِي الذَّاهِبِ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ قَلَعَهَا قَالِعٌ، نَقَصَ مِنْ دِيَتِهَا بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ، كَمَا لَوْ كُسِرَ مِنْهَا جُزْءٌ.
[فَصْلٌ دِيَة اللَّحْيَيْنِ]
(٦٩٣٩) فَصْلٌ: وَفِي اللَّحْيَيْنِ الدِّيَةُ، وَهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا الْأَسْنَانُ السُّفْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِمَا نَفْعًا وَجَمَالًا، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهُمَا، فَكَانَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ، كَسَائِرِ مَا فِي الْبَدَنِ مِنْهُ شَيْئَانِ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، كَالْوَاحِدِ مِمَّا فِي الْبَدَنِ مِنْهُ شَيْئَانِ. وَإِنْ قَلَعَهُمَا بِمَا عَلَيْهِمَا مِنْ الْأَسْنَانِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُمَا وَدِيَةُ الْأَسْنَانِ، وَلَمْ تَدْخُلْ دِيَةُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَتِهِمَا، كَمَا تَدْخُلُ دِيَةُ الْأَصَابِعِ فِي دِيَةِ الْوَجْهِ؛ لَوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ الْأَسْنَانَ مَغْرُوزَةٌ فِي اللَّحْيَيْنِ، غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِهِمَا، بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالْأَسْنَانِ يَنْفَرِدُ بِاسْمِهِ، وَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي اسْمِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ، فَإِنَّ اسْمَ الْيَدِ يَشْمَلُهُمَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّ اللَّحْيَيْنِ يُوجَدَانِ قَبْلَ وُجُودِ الْأَسْنَانِ فِي الْخِلْقَةِ، وَتَبْقَيَانِ بَعْدَ ذَهَابِهَا فِي حَقِّ الْكَبِيرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute