وَرُبَّمَا اخْتَارَ مَنْ يَلْعَبُ عِنْدَهُ وَيَتْرُكُ تَأْدِيبَهُ، وَيُمَكِّنُهُ مِنْ شَهَوَاتِهِ، فَيُؤَدِّي إلَى فَسَادِهِ، وَلِأَنَّهُ دُونَ الْبُلُوغِ، فَلَمْ يُخَيَّرْ، كَمَنْ دُونَ السَّبْعِ
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ، بِإِسْنَادِهِ وَالشَّافِعِيُّ وَفِي لَفْظٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» هَذَا أَبُوك، وَهَذِهِ أُمُّك فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت «فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيُّ، أَنَّهُ قَالَ: خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بَيْنَ عَمِّي وَأُمِّيِّ، وَكُنْت ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَهَذِهِ قِصَصٌ فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الْحَضَانَةِ لِحَقِّ الْوَلَدِ، فَيُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَشْفَقُ؛ لِأَنَّ حَظَّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ، وَاعْتَبَرْنَا الشَّفَقَةَ بِمَظِنَّتِهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهَا بِنَفْسِهَا، فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ حَدًّا يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ، وَيُمَيِّزُ بَيْنَ الْإِكْرَامِ وَضِدِّهِ، فَمَالَ إلَى أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ، وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ، فَقُدِّمَ بِذَلِكَ وَقَيَّدْنَاهُ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَالٍ أَمَرَ الشَّرْعُ فِيهَا بِمُخَاطَبَتِهِ بِالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْأُمَّ قُدِّمَتْ فِي حَالِ الصِّغَرِ، لِحَاجَتِهِ إلَى حَمْلِهِ، وَمُبَاشَرَةِ خِدْمَتِهِ، لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِذَلِكَ، وَأَقْوَمُ بِهِ، فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ، تَسَاوَى وَالِدَاهُ، لَقُرْبِهِمَا مِنْهُ، فَرَجَّحَ بِاخْتِيَارِهِ.
[فَصْلٌ وَمَتَى اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَسُلِّمَ إلَيْهِ ثُمَّ اخْتَارَ الْآخِرَ رُدَّ إلَيْهِ فِي الْحَضَانَةِ]
(٦٥٣٩) فَصْلٌ: وَمَتَى اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَسُلِّمَ إلَيْهِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ، رُدَّ إلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الْأَوَّلَ، أُعِيدَ إلَيْهِ، هَكَذَا أَبَدًا كُلَّمَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا صَارَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ، لَحَظِّ نَفْسِهِ، فَاتَّبَعَ مَا يَشْتَهِيه، كَمَا يَتَّبِعُ مَا يَشْتَهِيه فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، وَقَدْ يَشْتَهِي الْمُقَامَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ، وَعِنْدَ الْآخَرِ فِي وَقْتٍ، وَقَدْ يَشْتَهِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْهُمَا وَإِنْ خَيَّرْنَاهُ، فَلَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، أَوْ اخْتَارَهُمَا مَعًا، قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لَأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى حَضَانَتِهِ، فَقُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، فَإِذَا قُدِّمَ بِهَا، ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ، رُدَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّنَا قَدَّمْنَا اخْتِيَارَهُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، فَعَلَى الْقُرْعَةِ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ أَوْلَى.
[فَصْلٌ كَانَ الْأَبُ مَعْدُومًا أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَضَانَةِ]
(٦٥٤٠) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَعْدُومًا، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، وَحَضَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ، كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَابْنِهِ، قَامَ مَقَامَ الْأَبِ فَيُخَيَّرُ الْغُلَامُ بَيْنَ أُمِّهِ وَعَصَبَتِهِ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَيَّرَ عُمَارَةَ الْجَرْمِيَّ بَيْنَ أُمِّهِ وَعَمِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute