للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى عَاقِلَةِ الْحَيِّ مِنْهُمْ، لِكُلِّ مَيِّتٍ ثُلُثُ دِيَتِهِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَيِّتَيْنِ ثُلُثُ دِيَةِ صَاحِبِهِ، وَيُلْغَى فِعْلُهُ فِي نَفْسِهِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ، عَلَى عَاقِلَةِ الْحَيِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَيِّتَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَيِّتَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِصَاحِبِهِ. (٦٨٦٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَالدِّيَةُ حَالَّةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْهُمْ، يَكُونُ فِعْلُ الْمَقْتُولِ فِي نَفْسِهِ هَدَرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ شَيْءٌ، وَيَكُونُ بَاقِي الدِّيَةِ فِي أَمْوَالِ شُرَكَائِهِ حَالًّا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الدِّيَاتِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَهَذَا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَالْقَدْرُ اللَّازِمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ دُونَ الثُّلُثِ.

وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِعْلٌ وَاحِدٌ، أَوْجَبَ دِيَةً تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ. وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَخْتَصُّ بِمُوجَبِ فِعْلِهِ دُونَ فِعْلِ شُرَكَائِهِ، وَحَمْلُ الْعَاقِلَةِ إنَّمَا شُرِعَ لِلتَّخْفِيفِ عَنْ الْجَانِي فِيمَا يَشُقُّ وَيَثْقُلُ، وَمَا دُونَ الثُّلُثِ يَسِيرٌ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ، وَاَلَّذِي يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ. قُلْنَا: بَلْ هِيَ أَفْعَالٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ فِعْلِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا مُوجِبُ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَهُ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا فَاتَتْ النَّفْسُ بِجَمِيعِهَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِمَنْ مَدَّ الْحِبَالَ، وَرَمَى الْحَجَرَ دُونَ مَنْ وَضَعَهُ فِي الْكِفَّةِ، وَأَمْسَكَ الْخَشَبَةَ، اعْتِبَارًا بِالْمُبَاشِرِ. كَمَنْ وَضَعَ سَهْمًا فِي قَوْسِ رَجُلٍ، وَرَمَاهُ صَاحِبُ الْقَوْسِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّامِي دُونَ الْوَاضِعِ.

[فَصْلٌ سَقَطَ رَجُلٌ فِي بِئْرٍ فَسَقَطَ عَلَيْهِ آخَرُ فَقَتَلَهُ]

(٦٨٦٨) فَصْلٌ: إذَا سَقَطَ رَجُلٌ فِي بِئْرٍ، فَسَقَطَ عَلَيْهِ آخَرُ فَقَتَلَهُ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ رَمَى عَلَيْهِ حَجَرًا، ثُمَّ يُنْظَر؛ فَإِنْ كَانَ عَمَدَ رَمْيَ نَفْسِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ وَقَعَ خَطَأً، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةً. وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي بِوُقُوعِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ.

وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَقُودُ أَعْمَى، فَوَقَعَا فِي بِئْرٍ؛ خَرَّ الْبَصِيرُ، وَوَقَعَ الْأَعْمَى فَوْقَ الْبَصِيرِ، فَقَتَلَهُ، فَقَضَى عُمَرُ بِعَقْلِ الْبَصِيرِ عَلَى الْأَعْمَى، فَكَانَ الْأَعْمَى يُنْشِدُ فِي الْمَوْسِمِ:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَقِيتُ مُنْكَرَا ... هَلْ يَعْقِلُ الْأَعْمَى الصَّحِيحَ الْمُبْصِرَا

خَرَّا مَعًا كِلَاهُمَا تَكَسَّرَا

<<  <  ج: ص:  >  >>