للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ، وَكَذَلِكَ عَدَدُهُ، فَإِنْ نَوَى عَدَدًا فَهُوَ كَمَا لَوْ سَمَّاهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ، كَالْيَمِينِ.

[مَسْأَلَةٌ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ]

(٨١٨٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يَمْشِيَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ، رَكِبَ، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ.

وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.» وَلَا يُجْزِئُهُ الْمَشْيُ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَشْيَ الْمَعْهُودَ فِي الشَّرْعِ، هُوَ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِذَا أَطْلَقَ النَّاذِرُ، حُمِلَ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ، وَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِيهِ؛ لِنَذْرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ، رَكِبَ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ. وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ.

وَأَفْتَى بِهِ عَطَاءٌ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَرْكَبَ، وَتُهْدِيَ هَدْيًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَلِأَنَّهُ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَزِمَهُ هَدْيٌ، كَتَارِكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَا: يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَيَرْكَبُ مَا مَشَى وَيَمْشِي مَا رَكِبَ. وَنَحْوَهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَادَ فَقَالَ: وَيُهْدِي. وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَعَنْ النَّخَعِيِّ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَالثَّانِيَةُ، كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ هَدْيٌ سَوَاءٌ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ أَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَقَلُّ الْهَدْيِ شَاةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَلْزَمُهُ مَعَ الْعَجْزِ كَفَّارَةٌ بِحَالٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ مَشْيًا إلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ الْعَجْزِ شَيْءٌ.

وَلَنَا، «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ لِأُخْتِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، لَمَّا نَذَرَتْ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ: لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ، وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» . وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفَّارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>