أَنَّهُ قَالَ: فَسَأَلْت رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالُوا: إنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ، مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَضَاءِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الَّذِي قَالَ لَهُ هَذَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ فَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ عَلَى عُقُوبَتَيْنِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ، وَمَا رَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَثْبُتُ؛ لِضَعْفِ رُوَاتِهِ وَإِرْسَالِهِ. وَقَوْلُ عُمَرَ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا. فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ تَغْرِيبَهُ فِي الْخَمْرِ الَّذِي أَصَابَتْ الْفِتْنَةُ رَبِيعَةَ فِيهِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ يُخَالِفُ عُمُومَ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ حَدًّا فِي الرَّجُلِ، يَكُونُ حَدًّا فِي الْمَرْأَةِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ.
وَقَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا يَقَعُ لِي، أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلُهَا، وَعُمُومُ الْخَبَرِ مَخْصُوصٌ بِخَبَرِ النَّهْيِ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْحُدُودِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوِي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِهَا، بِخِلَافِ هَذَا الْحَدِّ، وَيُمْكِنُ قَلْبُ هَذَا الْقِيَاسِ، بِأَنَّهُ حَدٌّ، فَلَا تُزَادُ فِيهِ الْمَرْأَةُ عَلَى مَا عَلَى الرَّجُلِ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ
[فَصْلٌ تَغْرِيب الْبِكْر الزَّانِي]
(٧١٤٤) فَصْلٌ: وَيُغَرَّبُ الْبِكْرُ الزَّانِي حَوْلًا كَامِلًا، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ، أُعِيدَ تَغْرِيبُهُ، حَتَّى يُكْمِلَ الْحَوْلَ مُسَافِرًا، وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى. وَيُغَرَّبُ الرَّجُلُ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَضَرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ أَحْكَامُ الْمُسَافِرِينَ، وَلَا يَسْتَبِيحُ شَيْئًا مِنْ رُخَصِهِمْ. فَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَإِنْ خَرَجَ مَعَهَا مَحْرَمُهَا نُفِيَتْ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا مَحْرَمُهَا، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا تُغَرَّبُ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، كَالرَّجُلِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تُغَرَّبُ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِتَقْرُبَ مِنْ أَهْلِهَا، فَيَحْفَظُوهَا. وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ أَحْمَدَ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي التَّغْرِيبِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: يُنْفَى مِنْ عَمَلِهِ إلَى عَمَلٍ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَوْ نُفِيَ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى، بَيْنَهُمَا مِيلٌ أَوْ أَقَلُّ، جَازَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ: يَجُوزُ أَنْ يُنْفَى مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ. وَنَحْوُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّ النَّفْيَ وَرَدَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ، فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَالْقَصْرُ يُسَمَّى سَفَرًا، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّيَمُّمُ، وَالنَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ. وَلَا يُحْبَسُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ يُحْبَسُ. وَلَنَا، أَنَّهُ زِيَادَةٌ لَمْ يَرِدْ بِهَا الشَّرْعُ، فَلَا تُشْرَعُ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْعَامِّ.
[فَصْل زَنَى الْغَرِيب]
(٧١٤٥) فَصْلٌ: وَإِذَا زَنَى الْغَرِيبُ غُرِّبَ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ وَطَنِهِ. وَإِنْ زَنَى فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، غُرِّبَ مِنْهُ إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّغْرِيبِ يَتَنَاوَلُهُ حَيْثُ كَانَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ أَنِسَ بِالْبَلَدِ الَّذِي سَكَنَهُ، فَيُبْعَدُ عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute