للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، وَوَضْعُهُ لَهُ كَانَ فِي مِلْكِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ إذَا وَضَعَهَا مُتَطَرِّفَةً؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ إلَى إلْقَائِهَا، وَتَعَدَّى بِوَضْعِهَا، فَأَشْبَهَ مَنْ بَنَى حَائِطَهُ مَائِلًا.

[فَصْلٌ سَلَّمَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ إلَى السَّابِحِ لِيُعَلِّمهُ السِّبَاحَةَ فَغَرِقَ]

(٦٨٨٦) فَصْلٌ: وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ إلَى السَّابِحِ، لِيُعَلِّمَهُ السِّبَاحَةَ، فَغَرِقَ، فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّابِحِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ لِيَحْتَاطَ فِي حِفْظِهِ، فَإِذَا غَرِقَ نُسِبَ إلَى التَّفْرِيطِ فِي حِفْظِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ لِمَصْلَحَتِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَمَا إذَا ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ ضَرْبًا مُعْتَادًا، فَتَلِفَ بِهِ. فَأَمَّا الْكَبِيرُ إذَا غَرِقَ، فَلَيْسَ عَلَى السَّابِحِ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ، لِأَنَّ الْكَبِيرَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، لَا يُنْسَبُ التَّفْرِيطُ فِي هَلَاكِهِ إلَى غَيْرِهِ.

[فَصْلٌ طَلَبَ إنْسَانًا بِسَيْفِ مَشْهُورٍ فَهَرَبَ مِنْهُ فَتَلِفَ فِي هَرَبِهِ]

(٦٨٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا طَلَبَ إنْسَانًا بِسَيْفِ مَشْهُورٍ، فَهَرَبَ مِنْهُ، فَتَلِفَ فِي هَرَبِهِ، ضَمِنَهُ، سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ، أَوْ خَرَّ فِي بِئْرٍ، أَوْ لَقِيَهُ سَبْعٌ فَافْتَرَسَهُ، أَوْ غَرِقَ فِي مَاءٍ، أَوْ احْتَرَقَ بِنَارٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ صَبِيًّا أَوْ كَبِيرًا، أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا، عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضْمَنُ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ الْبَصِيرَ، إلَّا أَنْ يُخْسَفَ بِهِ سَقْفٌ، فَإِنَّ فِيهِ وَفِي الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْأَعْمَى قَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ الطَّالِبُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ.

وَلَنَا، أَنَّهُ هَلَكَ بِسَبَبِ عُدْوَانِهِ، فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ حَفَرَ لَهُ بِئْرًا، أَوْ نَصَبَ سِكِّينًا، أَوْ سَمَّ طَعَامَهُ وَوَضَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِهَذِهِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى إهْلَاكِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْخَسَفَ مِنْ تَحْتِهِ سَقْفٌ، أَوْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا. وَإِنْ طَلَبَهُ بِشَيْءِ يُخِيفُهُ بِهِ، كَاللَّيْثِ وَنَحْوِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ طَلَبِهِ بِسَيْفِ مَشْهُورٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ.

[فَصْلٌ شَهَرَ سَيْفًا فِي وَجْهِ إنْسَانٍ أَوْ دَلَّاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ مِنْ رَوْعَتِهِ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ]

(٦٨٨٨) فَصْلٌ: وَلَوْ شَهَرَ سَيْفًا فِي وَجْهِ إنْسَانٍ، أَوْ دَلَّاهُ مِنْ شَاهِقٍ، فَمَاتَ مِنْ رَوْعَتِهِ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ. وَإِنْ صَاحَ بِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ صَيْحَةً شَدِيدَةً، فَخَرَّ مِنْ سَطْحٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَمَاتَ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، أَوْ تَغَفَّلَ عَاقِلًا فَصَاحَ بِهِ، فَأَصَابَهُ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ، تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَإِلَّا فَهُوَ خَطَأٌ. وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الصَّبِيِّ، وَلَهُ فِي الْبَالِغِ قَوْلَانِ. وَلَنَا، أَنَّهُ سَبَبُ إتْلَافِهِ، فَضَمِنَهُ، كَالصَّبِيِّ.

[فَصْلٌ قَدَّمَ إنْسَانًا إلَى هَدَفٍ يَرْمِيهِ النَّاسُ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ]

(٦٨٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ قَدَّمَ إنْسَانًا إلَى هَدَفٍ يَرْمِيهِ النَّاسُ، فَأَصَابَهُ سَهْمٌ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ، فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ الرَّامِيَ كَالْحَافِرِ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ كَالدَّافِعِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَإِنْ عَمَدَ الرَّامِي رَمْيَهُ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>