للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فَاحِشَةٌ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قَوْمِ لُوطٍ: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف: ٨٠] . يَعْنِي الْوَطْءَ فِي أَدْبَارِ الرِّجَالِ، وَيُقَالُ: أَوَّلُ مَا بَدَأَ قَوْمُ لُوطٍ بِوَطْءِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، ثُمَّ صَارُوا إلَى ذَلِكَ فِي الرِّجَالِ.

[فَصْلٌ وَطِئَ مَيِّتَة]

(٧١٥٧) فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَ مَيِّتَةً، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَطِىءَ فِي فَرْجِ آدَمِيَّةٍ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْحَيَّةِ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ ذَنْبًا، وَأَكْثَرُ إثْمًا؛ لِأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى فَاحِشَةِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتَةِ. وَالثَّانِي: لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهَذَا أَقُولُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمَيِّتَةِ كَلَا وَطْءٍ، لِأَنَّهُ عُضْوٌ مُسْتَهْلَكٌ، وَلِأَنَّهَا لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا، وَتَعَافُهَا النَّفْسُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْع الزَّجْرِ عَنْهَا، وَالْحَدُّ إنَّمَا وَجَبَ زَجْرًا. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، فَوَطْؤُهَا زِنًى يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهَا كَالْكَبِيرَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَصْلُحُ لِلْوَطْءِ، فَفِيهَا وَجْهَانِ، كَالْمَيِّتَةِ.

قَالَ الْقَاضِي: لَا حَدَّ عَلَى مِنْ وَطِئَ صَغِيرَةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا؛ لِأَنَّهَا لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي فَرْجِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ صَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا، لَا حَدَّ عَلَيْهَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ وَطْؤُهَا، وَأَمْكَنْت الْمَرْأَةُ مَنْ أَمْكَنَهُ الْوَطْءُ فَوَطِئَهَا، أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِتِسْعٍ وَلَا عَشْرٍ؛ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوْقِيفِ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا، وَكَوْنُ التِّسْعِ وَقْتًا لِإِمْكَانِ الِاسْتِمْتَاعِ غَالِبًا، لَا يَمْنَعُ وُجُودَهُ قَبْلَهُ، كَمَا أَنَّ الْبُلُوغَ يُوجَدُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا غَالِبًا، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ وُجُودِهِ قَبْلَهُ.

[فَصْلٌ تَزَوَّجَ ذَات مُحْرِمه]

(٧١٥٨) فَصْلٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ مَحْرَمِهِ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. فَإِنْ وَطِئَهَا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ مِنْهُ، فَلَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ وَطِئَهَا. وَبَيَانُ الشُّبْهَةِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ صُورَةُ الْمُبِيحِ، وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ، بَقِيَتْ صُورَتُهُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ الَّذِي يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ، مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، وَالْوَاطِئُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِّ، عَالَمٌ بِالتَّحْرِيمِ، فَيَلْزَمهُ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ، وَصُورَةُ الْمُبِيحِ إنَّمَا تَكُونُ شُبْهَةً إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً، وَالْعَقْدُ هَاهُنَا بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ، وَفِعْلُهُ جِنَايَةٌ تَقْتَضِي الْعُقُوبَةَ، انْضَمَّتْ إلَى الزِّنَى، فَلَمْ تَكُنْ شُبْهَةً، كَمَا لَوْ أَكْرَهَهَا، وَعَاقَبَهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>