[فَصْل اسْتَكْرَهَ الْغَاصِب امْرَأَةً عَلَى الزِّنَى]
(٣٩٧١) فَصْلٌ: وَمَنْ اسْتَكْرَهَ امْرَأَةً عَلَى الزِّنَى، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً كَانَ الْمَهْرُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ لِسَيِّدِهَا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْمَهْرُ، كَمَا لَوْ طَاوَعَتْهُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، سَقَطَ فِيهِ الْحَدَّ مِنْ الْمَوْطُوءَةِ. فَإِذَا كَانَ الْوَاطِئُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ فِي حَقِّهَا، وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرُهَا كَمَا لَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ، وَأَمَّا الْمُطَاوِعَةُ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِسَيِّدِهَا، فَلَا يَسْقُطُ بِرِضَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً، لَمْ يَجِبْ لَهَا الْمَهْرُ؛ لِأَنَّ رِضَاهَا اقْتَرَنَ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ، فَلَمْ يُوجِبْ، كَمَا لَوْ أَذِنَتْهُ فِي قَطْعِ يَدِهَا، أَوْ إتْلَافِ جُزْءٍ مِنْهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الثَّيِّبَ لَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ أُكْرِهَتْ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَى الْوَطْءِ الْحَرَامِ، فَوَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ، كَالْبِكْرِ، وَيَجِبُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ مَعَ الْمَهْرِ، كَمَا قَدَّمْنَا.
[فَصْلٌ أَجَرَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ]
(٣٩٧٢) فَصْلٌ: إذَا أَجَرَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ، فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ، كَالْبَيْعِ، وَلِمَالِكِهِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ أَجْرَ مِثْلِهَا، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ، لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَنْفَعَةَ، إلَّا أَنْ يَزِيدَ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، فَيَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ وَيَسْقُطَ عَنْهُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْغَاصِبِ، رَجَعَ بِهِ. وَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلِمَالِكِهَا تَغْرِيمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا قِيمَتَهَا، فَإِنْ غَرَّمَ الْمُسْتَأْجِرَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بَدَلٌ فِي مُقَابَلَةِ مَا غَرِمَ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ، وَإِنْ عَلِمَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَحَصَلَ التَّلَفُ فِي يَدِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ غَرَّمَ الْغَاصِبَ الْأَجْرَ وَالْقِيمَةَ، رَجَعَ بِالْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْفَصْلِ كُلِّهِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَجْرَ لِلْغَاصِبِ دُونَ صَاحِبِ الدَّارِ. وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضُ الْمَنَافِعِ الْمَمْلُوكَةِ لِرَبِّ الدَّارِ، فَلَمْ يَمْلِكْهَا الْغَاصِبُ، كَعِوَضِ الْأَجْزَاءِ.
[فَصْلٌ أَوْدَعَ الْمَغْصُوبَ أَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي بَيْعِهِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ]
(٣٩٧٣) فَصْلٌ: وَإِنْ أَوْدَعَ الْمَغْصُوبَ، أَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي بَيْعِهِ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَتَلِفَ فِي يَدِهِ، فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ أَمَّا الْغَاصِبُ فَلِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَبَيْنَ مِلْكِهِ، وَأَثْبَتَ الْيَدَ الْعَادِيَةَ عَلَيْهِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ وَالْوَكِيلُ لِإِثْبَاتِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute