كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " رَجَعَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْغَاصِبِ ". يَعْنِي بِالْمَهْرِ، وَمَا فَدَى بِهِ الْأَوْلَادَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْأَوْلَادَ، وَأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَطْءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَدْ غَرَّهُ الْبَائِعُ، فَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا الْجَارِيَةُ إذَا رَدَّهَا لَمْ يَرْجِعْ بِبَدَلِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ رَجَعَتْ إلَيْهِ، لَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً لِمِثْلِهَا أَجْرٌ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَعَلَيْهِ أَجْرُهَا. وَإِنْ اغْتَصَبَهَا بِكْرًا، فَعَلَيْهِ أَرْشُ بَكَارَتِهَا. وَإِنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ أَوْ غَيْرُهَا، فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهَا. وَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَكُلُّ ضَمَانٍ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ سَبَبُ يَدِ الْمُشْتَرِي.
وَمَا وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ، مِنْ أَجْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِهِ، أَوْ نَقْصٍ حَدَثَ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ يَدِ الْمُشْتَرِي. فَإِذَا طَالَبَ الْمَالِكُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا وَجَبَ فِي يَدِهِ، وَأَخَذَهُ مِنْهُ، فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي حِينَ الشِّرَاءِ عَلِمَ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الضَّمَانِ وُجِدَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ ضَرْبٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَهُوَ قِيمَتُهَا إنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ، وَأَرْشُ بَكَارَتِهَا، وَبَدَلُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِذَلِكَ بِالثَّمَنِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ.
وَضَرْبٌ يَرْجِعُ بِهِ، وَهُوَ بَدَلُ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ جِهَتِهِ إتْلَافٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْعُ أَتْلَفَهُ بِحُكْمِ بَيْعِ الْغَاصِبِ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ نَقْصُ الْوِلَادَةِ. وَضَرْبٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَهُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا وَأَجْرُ نَفْعِهَا، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَرْجِعُ بِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يُتْلِفَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِذَا غَرِمَ عِوَضَهُ رَجَعَ بِهِ، كَبَدَلِ الْوَلَدِ، وَنَقْصِ الْوِلَادَةِ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ غَرِمَ مَا اسْتَوْفَى بَدَلَهُ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ، كَقِيمَةِ الْجَارِيَةِ، وَبَدَلِ أَجْزَائِهَا. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ رَجَعَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَكُلُّ مَا لَوْ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، إذَا رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ رَجَعَ بِهِ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَكُلُّ مَا لَوْ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ إذَا غَرِمَهُ الْغَاصِبُ، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَمَتَى رَدَّهَا حَامِلًا فَمَاتَتْ مِنْ الْوَضْعِ، فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute