بِرَأْيِك فَلَهُ ذَلِكَ. وَهَلْ لَهُ الزِّرَاعَةُ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِهَا الْمُزَارَعَةُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي مَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ: اتَّجَرَ فِيهَا بِمَا شِئْت فَزَرَعَ زَرْعًا، فَرَبِحَ فِيهِ، فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: اتَّجِرْ بِمَا شِئْت دَخَلَتْ فِيهِ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يُبْتَغَى بِهَا النَّمَاءُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْمَالَ كُلَّهُ فِي الْمُزَارَعَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ.
[فَصْل لِلشَّرِيكِ شِرَاء الْمَعِيب إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ]
(٣٦٦٤) فَصْل: وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَعِيبَ، إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرِّبْحُ، وَقَدْ يَكُونُ الرِّبْحُ فِي الْمَعِيبِ. فَإِنْ اشْتَرَاهُ يَظُنُّهُ سَلِيمًا، فَبَانَ مَعِيبًا، فَلَهُ فِعْلُ مَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، مِنْ رَدِّهِ بِالْعَيْبِ، أَوْ إمْسَاكِهِ وَأَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ. فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ فِي الرَّدِّ، فَطَالَبَهُ أَحَدُهُمَا، وَأَبَاهُ الْآخَرُ، فَعَلَ مَا فِيهِ النَّظَرُ وَالْحَظُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الْحَظِّ فَيُحْتَمَلُ الْأَمْرُ عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ.
وَأَمَّا الشَّرِيكَانِ إذَا اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الْمَعِيبِ، فَلِطَالِبِ الرَّدِّ رَدُّ نَصِيبِهِ، وَلِلْآخَرِ إمْسَاكُ نَصِيبِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الشِّرَاءَ لَهُمَا جَمِيعًا، فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ رَدِّ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ أَنَّ الْعَقْدَ لِمَنْ وَلِيَهُ، فَلَمْ يَجُزْ إدْخَالُ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَرَادَ الَّذِي وَلِيَ الْعَقْدَ رَدَّ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَإِمْسَاكَ الْبَعْضِ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ أَرَادَ شَرِيكُهُ ذَلِكَ، عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ.
[فَصْل شِرَاء الْمُضَارِب مَنْ يُعْتِقْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ]
(٣٦٦٥) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرًا. فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِيهِ، جَازَ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَتَنْفَسِخُ الْمُضَارَبَةُ فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَلِفَ، وَيَكُونُ مَحْسُوبًا عَلَى رَبِّ الْمَالِ.
فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ كُلَّ الْمَالِ، انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ. وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ رَجَعَ الْعَامِلُ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَصِحَّ الشِّرَاءُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ اشْتَرَى مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْمُضَارَبَةِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَالرِّبْحُ فِيهِ، فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ، وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْعَاقِدِ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ صِحَّةُ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ قَابِلٌ لِلْعُقُودِ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ نَذَرَ رَبُّ الْمَالِ إعْتَاقَهُ، وَيَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَتَنْفَسِخُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ.
وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ ضَمَانُهُ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ جَهِلَ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ تَلِفَ بِسَبَبِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْإِتْلَافِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ.
وَفِيمَا يَضْمَنُهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ فِيهِ ثُمَّ تَلِفَ، فَأَشْبَهَ، مَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِفِعْلِهِ. وَالثَّانِي، الثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهُ حَصَلَ بِالشِّرَاءِ، وَبَذْلِ الثَّمَنِ فِيمَا يَتْلَفُ بِالشِّرَاءِ،