[فَصْلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا فَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهِ]
(٣٤٩٨) فَصْل: وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا، فَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهِ، أَوْ عَلَى بِنَاءِ غُرْفَةٍ فَوْقَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهُ سَنَةً، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يُصَالِحُهُ مِنْ مِلْكِهِ عَلَى مِلْكِهِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ. وَإِنْ أَسْكَنَهُ كَانَ تَبَرُّعًا مِنْهُ، مَتَى شَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا. وَإِنْ أَعْطَاهُ بَعْضَ دَارِهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا، فَمَتَى شَاءَ انْتَزَعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عِوَضًا عَمَّا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْهُ.
وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُصَالَحَةِ، مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِأَجْرِ مَا سَكَنَ وَأَجْرِ مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ الْمَأْخُوذَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَسُكْنَى الدَّارِ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ. وَإِنْ بَنَى فَوْقَ الْبَيْتِ غُرْفَةً، أُجْبِرَ عَلَى نَقْضِهَا، وَإِذَا آجَرَ السَّطْحَ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي يَدَيْهِ، فَلَهُ أَخْذُ آلَتِهِ. وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُصَالِحَهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ عَنْ بِنَائِهِ بِعِوَضٍ، جَازَ. وَإِنْ بَنَى الْغُرْفَةَ بِتُرَابٍ مِنْ أَرْضِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَآلَاتِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ بِنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ. وَإِنْ أَرَادَ نَقْضَ الْبِنَاءِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، إذَا أَبْرَأْهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يُتْلَفُ بِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ نَقْضَهُ، كَقَوْلِنَا فِي الْغَاصِبِ.
[فَصْلٌ صَالِحه بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً]
(٣٤٩٩) فَصْلٌ: وَإِذَا صَالَحَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً، صَحَّ. وَكَانَتْ إجَارَةً. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. فَإِنْ بَاعَ الْعَبْدَ فِي السَّنَةِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ بَقِيَّةَ السَّنَةِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَتِهِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا.
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، فَلَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ. وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، نَفَذَ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ، فَصَحَّ عِتْقُهُ لِغَيْرِهِ، وَلِلْمُصَالِحِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ نَفْعَهُ فِي الْمُدَّةِ، لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ أَنْ مَلَّكَ مَنْفَعَتَهُ لِغَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَة لِحُرٍّ. وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَيْءِ؛ لِأَنَّهُ مَا زَالَ مِلْكُهُ بِالْعِتْقِ إلَّا عَنْ الرَّقَبَةِ، وَالْمَنَافِعُ حِينَئِذٍ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ، فَلَمْ تَتْلَفْ مَنَافِعُهُ بِالْعِتْقِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ زَمِنًا أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ، أَوْ أَعْتَقَ أَمَةً مُزَوَّجَةً، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْعِتْقَ اقْتَضَى إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ جَمِيعًا، فَلَمَّا لَمْ تَحْصُلْ الْمَنْفَعَةُ لِلْعَبْدِ هَاهُنَا، فَكَأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْفَعَتِهِ. وَلَنَا، أَنَّ إعْتَاقَهُ لَمْ يُصَادِفْ لِلْمُعْتَقِ سِوَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ إلَّا فِيهِ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ وَلِآخَرَ بِنَفْعِهِ، فَأَعْتَقَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ، وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً مُزَوَّجَةً. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ اقْتَضَى زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ. قُلْنَا: إنَّمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ فَلَا يَقْتَضِي إعْتَاقُهُ إزَالَةَ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ مُسْتَحِقٌّ، تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الصُّلْحِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ، وَرَجَعَ الْمُدَّعِي فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ.
وَإِنْ وَجَدَ الْعَبْدَ مَعِيبًا عَيْبًا تَنْقُصُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ، فَلَهُ رَدَّهُ وَفَسْخُ الصُّلْحِ. وَإِنْ صَالَحَ عَلَى الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ، صَحَّ الصُّلْحُ، وَيَكُونُ بَيْعًا. وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مُسْتَحَقًّا أَوْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ، كَمَا ذَكَرْنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute