وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمَانَةُ، كَوَكِيلِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَوَلِيِّ الْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَنَحْوِ هَذَا، انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ وَفِسْقِ مُوَكِّلِهِ بِخُرُوجِهِمَا بِذَلِكَ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ.
وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا لِوَكِيلِ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ تَوْكِيلُ فَاسِقٍ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ وَكِيلٌ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا يُنَافِيه الْفِسْقُ، وَلَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالنَّوْمِ وَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، وَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، إلَّا أَنْ يَحْصُلَ الْفِسْقُ بِالسُّكْرِ، فَيَكُونَ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا أَسْلَفْنَاهُ.
[فَصْل التَّعَدِّي فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ]
(٣٧٧٨) فَصْلٌ: وَلَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالتَّعَدِّي فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، مِثْلُ أَنْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ، وَيَرْكَبَ الدَّابَّةَ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ أَمَانَةٍ، فَتَبْطُلُ بِالتَّعَدِّي كَالْوَدِيعَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ فَقَدْ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَدَّ. وَيُفَارِقُ الْوَدِيعَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا أَمَانَةٌ مُجَرَّدَةٌ، فَنَافَاهَا التَّعَدِّي وَالْخِيَانَةُ، وَالْوَكَالَةُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ تَضَمَّنَتْ الْأَمَانَةَ، فَإِذَا انْتَفَتْ الْأَمَانَةُ بِالتَّعَدِّي، بَقِيَ الْإِذْنُ بِحَالِهِ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ ثَوْبٍ فَلَبِسَهُ. صَارَ ضَامِنًا. فَإِذَا بَاعَهُ، صَحَّ بَيْعُهُ، وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ؛ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانِهِ. فَإِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ، كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ. وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا، وَوَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ، فَتَعَدَّى فِي الثَّمَنِ، صَارَ ضَامِنًا لَهُ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ وَسَلَّمَهُ، زَالَ الضَّمَانُ، وَقَبْضُهُ لِلْمَبِيعِ قَبْضُ أَمَانَةٍ وَإِنْ وُجِدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ، فَرُدَّ عَلَيْهِ، أَوْ وَجَدَ هُوَ بِمَا اشْتَرَى عَيْبًا، فَرَدَّهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُزِيلَ لِلضَّمَانِ زَالَ، فَعَادَ مَا زَالَ عَنْهُ.
[فَصْلٌ وَكَّلَ امْرَأَتَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا]
(٣٧٧٩) فَصْلٌ: وَإِنْ وَكَّلَ امْرَأَتَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، لَمْ تَنْفَسِخْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتَدَامَتْهَا. وَإِنْ وَكَّلَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ، أَوْ بَاعَهُ، لَمْ يَنْعَزِلْ؛ لِذَلِكَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْعَزِلَ، لِأَنَّ تَوْكِيلَ عَبْدِهِ لَيْسَ بِتَوْكِيلٍ فِي الْحَقِيقَةِ، إنَّمَا هُوَ اسْتِخْدَامٌ بِحَقِّ الْمِلْكِ، فَيَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ. وَإِذَا بَاعَهُ فَقَدْ صَارَ إلَى مِلْكِ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي تَوْكِيلِهِ، وَثُبُوتُ مِلْك غَيْرِهِ فِيهِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ تَوْكِيلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَيَقْطَعُ اسْتَدَامَتْهُ. وَهَكَذَا الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ، وَالْعِتْقُ لَا يُبْطِلُ؛ الْإِذْنَ. وَهَكَذَا إنْ بَاعَهُ، إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ رَضِيَ بِبَقَائِهِ عَلَى الْوَكَالَةِ، بَقِيَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ
وَإِنْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ، فَأَعْتَقَهُ، لَمْ تَبْطُلْ الْوَكَالَةُ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ حَقِيقَةً، وَالْعِتْقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute