أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ تَرْكُهُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ، وَلَهُ الْمُسَمَّى وَأَجْرُ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي، قَالُوا: يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ لِنَقْلِ الزَّرْعِ، فَيَلْزَمُ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ فِي الْمُدَّةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ. وَلَنَا أَنَّهُ حَصَلَ الزَّرْعُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلَزِمَ تَرْكُهُ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا فَزَرَعَهَا، ثُمَّ رَجَعَ الْمَالِكُ قَبْلَ كَمَالِ الزَّرْعِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ مُفَرِّطٌ. غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةُ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَمَالِ الزَّرْعِ فِيهَا، وَفِي زِيَادَةِ الْمُدَّةِ تَفْوِيتُ زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَتَضْيِيعُ زِيَادَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ لِتَحْصِيلِ شَيْءٍ مُتَوَهَّمٍ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ هُوَ التَّفْرِيطُ، فَلَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ تَفْرِيطًا
وَمَتَى أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَ شَيْءٍ لَا يُدْرِكُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَلِلْمَالِكِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ زَرْعِهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَمَلَكَ مَنْعَهُ مِنْهُ. فَإِنْ زَرَعَ، لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ بِقَلْعِهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُ نَفْعَهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَقَبْلَهَا أَوْلَى. وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ قَطْعَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالنَّقْلِ، فَلْيَكُنْ عِنْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهَا إلَى الْمُؤَجِّرِ فَارِغَةً.
[فَصْلٌ اكْتَرَى الْأَرْضَ لِزَرْعِ مُدَّةً لَا يَكْمُلُ فِيهَا]
(٤٢٣٠) فَصْلٌ: وَإِذَا اكْتَرَى الْأَرْضَ لِزَرْعٍ مُدَّةً لَا يَكْمُلُ فِيهَا، مِثْلَ أَنْ يَكْتَرِيَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ إلَّا فِي سَنَةٍ، نَظَرْنَا فَإِنْ شَرَطَ تَفْرِيغَهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَنَقْلَهُ عَنْهَا، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مُدَّتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ، لِأَخْذِهِ إيَّاهُ قَصِيلًا أَوْ غَيْرَهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا، احْتَمَلَ أَنْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالزَّرْعِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مُمْكِنٌ، وَاحْتَمَلَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْأَرْضِ، فِي زَرْعٍ ضَرَرُهُ كَضَرَرِ الزَّرْعِ الْمَشْرُوطِ أَوْ دُونَهُ، مِثْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا شَعِيرًا يَأْخُذُهُ قَصِيلًا، صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي بَعْضِ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ مُمْكِنٌ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اكْتَرَى لِلزَّرْعِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِالزَّرْعِ فِيهِ، أَشْبَهَ إجَارَةَ السَّبْخَةِ لَهُ. فَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ. فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعِ الْمُسْتَأْجِرِ لَمَّا لَا يَكْمُلُ فِي مُدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ هَاهُنَا مُفَرِّطٌ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَ الْمُكْرِيَ تَرْكُهُ بِالْأَجْرِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهُ حَيْثُ أَكْرَاهُ مُدَّةً لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ فِيهَا. وَإِنْ شَرَطَ تَبْقِيَتَهُ حَتَّى يَكْمُلَ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ
فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ يَقْتَضِي النَّقْلَ فِيهَا، وَشَرْطَ التَّبْقِيَةِ يُخَالِفُهُ، وَلِأَنَّ مُدَّةَ التَّبْقِيَةِ مَجْهُولَةٌ، فَإِنْ زَرَعَ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْلِهِ، كَاَلَّتِي تَقَدَّمَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute