بِهَا [اليد] الْكَامِلَةُ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ، وَجَبَتْ دِيَةُ الْيَدِ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، خُرِجَ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا قَطَعَ يَدًا فَعَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَرَى إلَى نَفْسِهِ. فَعَلَى هَذَا، تَجِبُ هَاهُنَا دِيَةُ الْكَفِّ إلَّا دِيَةَ الْإِصْبَعِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْجِنَايَةِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي: إنَّ الْقِيَاسَ فِيمَا إذَا قَطَعَ الْيَدَ، ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ، أَنْ يَجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ هَاهُنَا. .
[فَصْلٌ الْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ]
(٦٧٥٩) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، صَحَّ عَفْوُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي سِرَايَتِهَا قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَسَوَاءٌ عَفَا بِلَفْظِ الْعَفْوِ أَوْ الْوَصِيَّةِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِصِحَّةِ عَفْوِ الْمَجْرُوحِ عَنْ دَمِهِ؛ مَالِكٌ، وَطَاوُسٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إذَا قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا. فَفِيهِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَصِيَّةٌ، فَيُبْنَى عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَفِيهَا قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ، فَتَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ إلَّا دِيَةَ الْجُرْحِ. وَالثَّانِي، يَصِحُّ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ، وَإِلَّا سَقَطَ مِنْهَا مَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَجَبَ الْبَاقِي. وَالْقَوْلُ الثَّانِي، لَيْسَ بِوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فِي الْحَيَاةِ، فَلَا يَصِحُّ، وَتَلْزَمُهُ دِيَةُ النَّفْسِ إلَّا دِيَةَ الْجُرْحِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ، فَسَقَطَ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَمَا تَعَيَّنَتْ الدِّيَةُ، وَلَا تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَالٍ،؛ وَلِذَلِكَ صَحَّ الْعَفْوُ مِنْ الْمُفْلِسِ إلَى غَيْرِ مَالٍ. وَأَمَّا جِنَايَةُ الْخَطَأِ، فَإِذَا عَفَا عَنْهَا وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا، اُعْتُبِرَ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ، سَوَاءٌ عَفَا بِلَفْظِ الْعَفْوِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، صَحَّ عَفْوُهُ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، سَقَطَ عَنْهُ مِنْ دِيَتِهَا مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَنَحْوَهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ هَاهُنَا بِمَالٍ.
[فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْوَلِيُّ أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْجَانِي عَفَوْت مُطْلَقًا وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ عَفَوْت إلَى مَالٍ]
(٦٧٦٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ إصْبَعًا، فَعَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْ الْقِصَاصِ، ثُمَّ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْكَفِّ، ثُمَّ انْدَمَلَ الْجُرْحُ فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ إصْبَعًا، فَعَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْ الْقِصَاصِ، ثُمَّ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْكَفِّ، ثُمَّ انْدَمَلَ الْجُرْحُ فَصْلٌ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْوَلِيُّ أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ.، فَقَالَ الْجَانِي: عَفَوْت مُطْلَقًا. وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ عَفَوْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute