[فَصْلٌ يَجِبُ الْمَهْرُ لِلْمُفَوِّضَةِ بِالْعَقْدِ]
(٥٦١٠) فَصْلٌ: وَيَجِبُ الْمَهْرُ لِلْمُفَوِّضَةِ، بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ إلَى الْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعَقْدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يَجِيءُ عَلَى أَصِلْ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِالْعَقْدِ لَتَنَصَّفَ بِالطَّلَاقِ، كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ.
وَلَنَا، أَنَّهَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، فَكَانَ وَاجِبًا، كَالْمُسَمَّى، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ، لَمَا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ، كَمَا فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ عَنْ الْمَهْرِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ يُفْضِي إلَى خُلُوِّهِ عَنْهُ، وَإِلَى أَنَّ النِّكَاحَ انْعَقَدَ صَحِيحًا وَمَلَكَ الزَّوْجُ الْوَطْءَ وَلَا مَهْرَ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَصَّفْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَقَلَ غَيْرَ الْمُسَمَّى لَهَا بِالطَّلَاقِ إلَى الْمُتْعَةِ كَمَا نَقَلَ مَنْ سُمِّيَ لَهَا إلَى نِصْفِ الْمُسَمَّى لَهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ فَوَّضَ الرَّجُلُ مَهْرَ أَمَتِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا، ثُمَّ فُرِضَ لَهَا الْمَهْرُ، كَانَ لِمُعْتِقِهَا أَوْ بَائِعِهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فِي مِلْكِهِ. وَلَوْ فَوَّضَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، ثُمَّ طَالَبَتْ بِفَرْضِ مَهْرِهَا بَعْدَ تَغَيُّرِ مَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ دَخَلَ بِهَا، لَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَوَافَقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ، إلَّا فِي الْأَمَةِ الَّتِي أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
[فَصْلٌ الدُّخُولُ بِالْمَرْأَةِ قَبْلَ إعْطَائِهَا شَيْئًا]
(٥٦١١) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الدُّخُولُ بِالْمَرْأَةِ قَبْلَ إعْطَائِهَا شَيْئًا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُفَوِّضَةً أَوْ مُسَمًّى لَهَا. وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَمَالِكٍ: لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَخْلَعُ إحْدَى نَعْلَيْهِ، وَيُلْقِيهَا إلَيْهَا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ، أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَمَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي شَيْءٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْطِهَا دِرْعَك. فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا.» وَرَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، قَالَ: «لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْطِهَا شَيْئًا. قَالَ: مَا عِنْدِي. قَالَ: أَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute