للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ شَهْرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْيَى إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الضَّرْبَةِ وَالْإِسْقَاطِ مُدَّةٌ تُزِيلُ ظَنَّ سُقُوطِهِ بِهَا، فَيُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ وُجُودِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ أَلْقَتْ الْيَدَ، وَزَالَ الْأَلَمُ، ثُمَّ أَلْقَتْ الْجَنِينَ، ضَمِنَ الْيَدَ وَحْدَهَا، بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَطَعَ يَدًا فَانْدَمَلَتْ، ثُمَّ مَاتَ صَاحِبُهَا، ثُمَّ نَنْظُرُ؛ فَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ لِوَقْتٍ لَا يَعِيشُ مِثْلَهُ، فَفِي الْيَدِ نِصْفُ غُرَّةٍ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِهِ غُرَّةً، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ عَاشَ، وَكَانَ بَيْنَ إلْقَاءِ الْيَدِ وَبَيْنَ إلْقَائِهِ مُدَّةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْحَيَاةُ لَمْ تُخْلَقْ فِيهَا، أُرِيَ الْقَوَابِلَ هَاهُنَا، فَإِنْ قُلْنَ: إنَّهَا يَدُ مَنْ لَمْ تُخْلَقْ فِيهَا الْحَيَاةُ. وَجَبَ نِصْفُ غُرَّةٍ، وَإِنْ قُلْنَ: إنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ، وَمَضَى لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ، وَلَمْ تَمْضِ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَجَبَ فِيهِ نِصْفُ غُرَّةٍ؛ لِأَنَّهَا يَدُ مَنْ لَا يَجِبُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ غُرَّةٍ، فَأَشْبَهَتْ يَدَ مَنْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ رُوحٌ، وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهِنَّ، وَجَبَ نِصْفُ الْغُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ.

[مَسْأَلَة عِتْق رَقَبَة مُؤْمِنَة إذَا كَانَ الْجَنِين حَيًّا أَوْ مَيِّتًا]

(٦٨٦٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَعَلَى كُلِّ مَنْ ضَرَبَ مِمَّنْ ذَكَرْت، عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْجَبَ عَلَى ضَارِبِ بَطْنِ الْمَرْأَةِ تُلْقِي جَنِينًا الرَّقَبَةَ مَعَ الْغُرَّةِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ حِينَ أَوْجَبَ الْغُرَّةَ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَقَالَ: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] .

وَهَذَا الْجَنِينُ، إنْ كَانَ مِنْ مُؤْمِنَيْنِ، أَوْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، فَهُوَ مَحْكُومٌ بِإِيمَانِهِ تَبَعًا، يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَهُوَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، وَلِأَنَّهُ نَفْسٌ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الرَّقَبَةُ كَالْكَبِيرِ، وَتَرْكُ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» . وَذَكَرَ الدِّيَةَ فِي مَوَاضِعَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>