وَإِنْ قَالَ: أَنَا بَائِنٌ. وَلَمْ يَقُلْ: مِنْك. فَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك. فَقَالَتْ: أَنْتِ بَائِنٌ. وَلَمْ تَقُلْ: مِنِّي. أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ قَالَتْ: أَنَا بَائِنٌ. وَنَوَتْ، وَقَعَ. وَإِنْ قَالَتْ: أَنْتِ مِنِّي بَائِنٌ. فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَيُخَرَّجُ هَاهُنَا مِثْلُ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَةٌ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ]
(٥٨٦٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ لَزِمَهُ، نَوَاهُ، أَوْ لَمْ يَنْوِهِ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، بَلْ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَلِأَنَّ مَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْقَوْلُ يَكْتَفِي فِيهِ بِهِ، مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، إذَا كَانَ صَرِيحًا فِيهِ، كَالْبَيْعِ. وَسَوَاءٌ قَصَدَ الْمَزْحَ أَوْ الْجِدَّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ جِدَّ الطَّلَاقِ وَهَزْلَهُ سَوَاءٌ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَنَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَعُبَيْدَةَ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ.
فَأَمَّا لَفْظُ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ، فَيُنْبِي عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ؛ فَمَنْ جَعَلَهُ صَرِيحًا أَوْقَعَ بِهِ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ صَرِيحًا لَمْ يُوقِعْ بِهِ الطَّلَاقَ حَتَّى يَنْوِيَهُ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ.
[فَصْلٌ قَالَ الْأَعْجَمِيُّ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ]
(٥٨٦٧) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ الْأَعْجَمِيُّ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ، لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخْتَارٍ لِلطَّلَاقِ، فَلَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، كَالْمُكْرَهِ. فَإِنْ نَوَى مُوجِبَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لَمْ يَقَعْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ اخْتِيَارُ مَا لَا يَعْلَمُهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَنْ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا لَمْ يَكْفُرْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ إذَا نَوَى مُوجِبَهَا؛ لِأَنَّهُ لَفَظَ بِالطَّلَاقِ نَاوِيًا مُوجِبَهُ، فَأَشْبَهَ الْعَرَبِيَّ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا قَالَ الْعَرَبِيُّ: بهشتم. وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا.
[فَصْلٌ قَالَ لُزُوجَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ]
(٥٨٦٨) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ لُزُوجَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ. أَوْ قَالَ لِحَمَاتِهِ: ابْنَتُك طَالِقٌ. وَلَهَا بِنْتٌ سِوَى امْرَأَتِهِ. أَوْ كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ، فَقَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ. طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَاقَ غَيْرِهَا. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ. لَمْ يُصَدَّقْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَحْمَاتِهِ: ابْنَتُك طَالِقٌ. وَقَالَ: أَرَدْت ابْنَتَك الْأُخْرَى، الَّتِي لَيْسَتْ بِزَوْجَتِي، فَقَالَ: يَحْنَثُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، فِي رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ، اسْمَاهُمَا فَاطِمَةُ، فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا، فَقَالَ: فَاطِمَةُ طَالِقٌ. يَنْوِي الْمَيِّتَةَ، فَقَالَ: الْمَيِّتَةُ تَطْلُقُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: كَأَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ فِي الْحُكْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute