للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، فِي الْمُكَاتَبِ: مَالُهُ لَهُ. وَوَافَقَنَا عَطَاءٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، وَالنَّخَعِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمَالِكٌ، فِي الْوَلَدِ، وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِمَا رَوَى عُمَرُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ، فَالْمَالُ لِلْعَبْدِ» .

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالْكِتَابَةُ بَيْعٌ، وَلِأَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ غَيْرُهُ، كَوَلَدِهِ وَأَقَارِبِهِ، وَلِأَنَّهُ هُوَ وَمَالُهُ كَانَا لِسَيِّدِهِ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِهِمَا، بَقِيَ الْآخَرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ. وَحَدِيثُهُمْ ضَعِيفٌ، قَدْ ذَكَرْنَا ضَعْفَهُ.

[مَسْأَلَةٌ لِمَنْ يَكُونُ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ؟]

(٨٧٠٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَوَلَاؤُهُ لِمُكَاتِبِهِ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِي أَنَّ وَلَاءَ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ، إذَا أَدَّى إلَيْهِ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إنْعَامٌ وَإِعْتَاقٌ لَهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ كَانَ لِسَيِّدِهِ بِحُكْمِ مِلْكِهِ إيَّاهُ، فَرَضِيَ بِهِ عِوَضًا عَنْهُ، وَأَعْتَقَ رَقَبَتَهُ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَتِهِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ بِحُكْمِ الْأَصْلِ، فَكَانَ مُعْتِقًا لَهُ، مُنْعِمًا عَلَيْهِ، فَاسْتَحَقَّ وَلَاءَهُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَفِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً وَاحِدَةً، وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ. فَرَجَعَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُمْ، فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ كَانَ مُتَقَرِّرًا عِنْدَهُمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ إيتَاءُ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا مِمَّا كُوتِبَ عَلَيْهِ]

(٨٧٠٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُعْطَى مِمَّا كُوتِبَ عَلَيْهِ الرُّبُعَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] الْكَلَامُ فِي الْإِيتَاءِ فِي خَمْسَةِ فُصُولٍ: وُجُوبُهُ، وَقَدْرُهُ، وَجِنْسُهُ، وَوَقْتُ جَوَازِهِ، وَوَقْتُ وُجُوبِهِ. (٨٧٠٨) أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ إيتَاءُ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا مِمَّا كُوتِبَ عَلَيْهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.

وَقَالَ بُرَيْدَةَ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْإِيتَاءُ، كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] . وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>